السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنهكك السير ، تعبت ....تريد أن تكون في خفة الطير ، أطلت وحدقت النظر إلى الغير ، ولم تجني من وراء ذلك إلا كل ضير ، لفحك الشقاء ، تكد وتجد في عناء ، طحنك بكلكله العناء، وعضك بفكيه البلاء ، وصرت تهيم في عماء ، سعيا وراء شيئ تبصره من بعيد .... ما أراه إلا هباء ، ومآله إلى فناء ، صائح يصيح إليك من بعيد ... ما أرى صيحه إلا عواء .... وأمانيه غواء .... وبالجملة أنت تحرث في الفضاء ولا تملك إلا قبض الهواء ... يرنو نظرك من بعيد فترى الماء رقراقا والظل ظليل ، وتظن أن الهواء هناك عليل ، فتشد ساقيك الرحال ، وكلما شدت السعي كلما تباعد الظل وهرب السراب ، فتعلل نفسك بما قطعت من مسافة ، ويخاطبك هاجسك أن أوشكت أن تبلغ فتجد السير مرة أخرى ولا ترى من حولك ممن هلكوا وإحترقوا .... فتمضي وتمضي .... تظن أن خلف الجبال الغنيمة ، ولا تدرك أن العاقبة أليمة .... تمضي وتمضي .... وتحمل على ظهرك الأحجار وتكثر من الأوزار ولو كان هناك إعتبار ... لأبصرت من تساقطوا من جوارك وصار سعيهم بوار والعاقبة خسار ولم يجنوا إلا العار والشنار .... تفني أثمن ما تملك وتبدد أغلى ما عندك ألا وهو عمرك .... ولو وقفت ونظرت إلى ما مضى لأدرك أن ما بقي لابد أن يلحق بما مضي ..... أولى بك أن تجلس على نفسك تنوح ... وتضمد ما عساك تستطيع من الجروح ... علك تكون من الفائزين وتكتب في عداد الناجين .... أنا لم أرسم صورة ولكنها حقيقة تلك حقيقتك أنا وأنت ، هل أدركت ما هي المفازة يا أخي ؟؟؟ إنها الدنيا .... قال عنها السلف " هي هي الدنيا تقول بملئ فيها حذاري حذاري من بطشي وفتكي ، فلا يغرنكم مني إبتسام فقولي مضحك والفعل مبكي " وصفها أحد الزهاد فقال " .... ترقب جميل لكنه يتنغص ، وظل ظليل ولكنه يتقلص ، ومطامع وراء الأودية والمفاوز ، وما هو لما قدر له بمجاوز ، فأنفاسه قبل كل ذلك تعد ، ورحاله تشد ، وعاريته ترد ، والتراب من بعد ذلك ينتظر الخد ، وما عقبى الباقي ، إلا اللحاق بالماضي ، وما هو إلا أمل مكذوب وأجل محدود " هل فهمت هذه الصورة .... كان ضرار الصدائي من أتباع علي رضي الله عنه وكان شيخا كبيرا قد جاوز الثمانين من عمره ، ذات يوم كان جالسا في مجلس معاوية رضي الله عنه فقال له معاوية : صف لي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فقال ضرار أعفني من ذلك ، فقال له معاوية لتفعلن - مهددا - فقال ضرار : كان والله بعيد المدى شديد القوى ، يقول فصلا ويحكم عدل ، تنطلق الحكمة من جوانبه ويتفجر العلم من أنحائه ، كان يقلب كفه ، ويخاطب نفسه ، يعجبه من اللباس ما قصر ، ومن الطعام ما خشن ، كان يجيبنا إذا سألناه وينبئنا إذا أستنبأناه ويدنينا إذا أتناه ومع ذلك كنا والله لا نستطيع أن نكلمه مهابة له ، كان يعظم أهل الدين ويحب المساكين ، ..... وأشهد أني رأيته ذات ليلة في محاربه يتملل تملل السليم ويبكي بكاء اللديغ ويخاطب نفسه فيقول " يا دنيا غري غيري ألي توددت ؟ أم إلى تعرضت ؟ قد باينتك ثلاثة لا رجعة فيها فإن مجلسك قصير وخطرك عظيم وأملك حقير ...................آه من قلة الزاد ووحشة الطريق وبعد السفر .... فبكى معاوية وبكى الحاضرون وجعل يمسح دمعه بكمه فقال رحم الله أبا الحسن كان كذلك ..... فكيف كان حزنك عليه يا ضرار ؟؟؟؟ قال حزن من ذبح واحدها في حجرها لا يرقأ لها دمع ولا تجف لها عين .......هو هو التلميذ في مدرسة الأستاذ أثر في نفسه موقفه صلى الله عليه وسلم حيث يقول علي رضي الله عنه دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم و كأنه يدفع عن نفسه شيئا فقلت له بأبي أنت وأمي يارسول الله ويكأنك تدفع عن نفسك شيئا ؟؟؟ فقال هي النيا قد تزينت لي " صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ... وأوصى عبد الله بن عمر رضي الله عنه فيما رواه البخاري فقال " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل " صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي وأهلي
نلتقي في مره اخرى بإذن الله تعالى