Friday, August 28, 2009

محاور التغيير في مدرسة رمضان

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قد تصنع أحداث ومجريات الحياة من المرؤ قطارا لا يعرف إلا قضيباه الذان يمشي عليهما فلا يستطيع أن يحيد عنهما يمنة ولا يسرة ، فتراه يقطع سحابة يومه في عمل مضني ثم يؤول في نهاية يومه إلى فراشه قتيلا من التعب حتى يصبح حال المرؤ كما وصف في الحديث " حمار بالنهار جيفة بالليل " إلا من رحم ربي ، هذا القطار لا بد له حتى يخرج عن هذين القضيبين من شخص يملك عصا يستطيع بها أن يحول مساره ويخرجه عن مألوفه ، هذا " المحولجي " في حياتنا هنا " شهر رمضان المعظم " ، ولأمر ما جعل الله تعالى صيام رمضان فريضة ولم يجعله تطوعا ذلك لأنه لو جعله تطوعا لخف إليه أصحاب الهمم العالية فقط وهؤلاء في الناس قليل عن إبن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تجدون الناس كأبل مائة لا يجد الرجل فيها راحلة " صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ،رواه مسلم ، نحاول في هذه الإطلالة السريعة أن نستعرض كيف يستطيع شهر رمضان أن يغير حياتنا على كافة الأصعدة ؟؟ هذا طبعا إذا أمتثلنا لأمرربنا وأقتدينا بنبينا صلى الله عليه وسلم وكيف كان يصنع في شهر رمضان ، نقول وبالله التوفيق إن محاور التغيير في شهر رمضان هي :
المحور الأول :المحور الصحي :
قال الله تعالى في سورة البقرة " وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون " سورة البقرة الآية 184 ، نعم فالصيام خير ولكن ليس كلنا يعلم ذلك ولاحظ ذكر تفضيل الصيام بعد ذكر الرخصة بالفطر ، فرغم إباحة الفطر لأحوال الضرورة والعذر إلا أن الصوم خير ، وفي السنة حدَّثنا زهيرُ بنُ محمَّدٍ ، عنْ سهيلِ بنِ أبي صالحٍ ، عنْ أبيهِ ، عن أبي هُريرةَ ؛ قالَ : قالَ رسولُ اللَّهِ _ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ _ : " اغْزُوا تَغْنَمُوا ، وصُومُوا تَصِحُّوا ، وسَافِرُوا تَسْتَغْنُوا " .وَجَاءَ لفظُهُ عندَ أبي عروبةَ والعُقيليِّ : " اغْزُوا تَغْنَمُوا ، وصُومُوا تَصِحُّوا ، وسافِرُوا تَصِحُّوا " .واقتَصَرَ أبو نُعيمٍ عَلَى عبارةِ : " صُومُوا تَصِحُّوا " .قالَ الطَّبرانيُّ : " لَمْ يَرْوِ هَذَا الحديثَ عنْ سُهَيْلٍ _ بهذا اللَّفظِ _ إلاَّ زُهيرُ بنُ محمَّدٍ " . وفي القول الدارج على لسان العامة " جوعوا تصحوا " قال الطبيب العربي الحارث بن كلدة" المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء " ، فخلو المعدة من الطعام عامل هام جدا من عوامل الصحة بالنسبة للإنسان ، ولقد عجبت كل العجب لأحوال البشر الذين يضجون من الصيام كعبادة ومن رمضان كشهرورأيت الواحد منهم ينفق الآلاف عند الأطباء من أجل أن ينقص وزنه وتراه يعاني من أقسى أنواع الرجيم وإذا جالسته رق قلبك لحاله وجرى دمعك لمقاله وهو في هذا غير مأجور فما بالك وقد منحك الله تعالى فرصة ذهبية كي تنقص وزنك وبغير تكلفة مادية بل وأنت مأجور عليها من رب العالمين إن كان ثمة فهم ، فالمسلم الملتزم بأوامر الله ورسوله في شهر رمضان أعتقد أنه بإستطاعته أن ينقص وزنه خمسة كليوجرامات أو أكثر في شهر رمضان دون طبيب ودون رجيم
المحور الثاني : المحور الإقتصادي
من المعلوم عقلا أننا ننقص وجبة من وجباتنا الثلاث فنقتصر على وجبتين فقط ، وإذا سلمنا للمنطق العقلي الرياضي فمعنى ذلك أننا نوفر قيمة هذه الوجبة من الإستهلاك ، وعلى المستوى الكلي لك أن تتصور ماذا يحدث توفير وجبة في الإقتصاد القومي ككل ، فلو تصورنا أن الأسرة في مجتمعنا تتكون في المتوسط من خمسة أفراد هذا يعني أن تعداد شعب مصر ( 80 مليون نسمة ) يتكون من 14مليون أسرة ولو تصورنا جدلا أن قيمة الوجبة التي تم توفيرها هي ( 10 جنيهات ) عشرة جنيهات فقط يصبح مقدار ما تم توفيره على مستوى الإقتصاد القومي ( 140 مليون جنيه ) هذا طبعا بعد إستبعاد غير المسلمين من التعداد ، ولكن الذي يحدث هو عكس ذلك حيث يتضخم الإستهلاك في رمضان عنه في أي شهر من الشهور الأخرى هذا ليس من حكمة و أهداف الصيام الذي شرعه الله تعالى .
المحور الثالث :المحور الأخلاقي
وهو المحور الأساس والذي من أجله شرع الصيام ، ولقد تعمدت تأخيره حتى لا يضج القارئ منه فالكل يتوقع ممن يكتب عن الصوم أن يبدأ به لأنه هو الهدف الذي من أجله شرع الصيام ، تعالى معي نستعرض هذه الأحاديث حتى ندرك الحكمة والمغزى من الصيام :
1- عَنْ ‏ ‏أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ، ‏ عَنِ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَالَ: "‏مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ". أخرجه أحمد (2/443 ، رقم 9717) ، والبخاري (5/2251 ، رقم 5710) ، وأبو داود (2/307 ، رقم 2362) ، والترمذي (3/87 ، رقم 707) وقال : حسن صحيح . وابن ماجه (1/539 ، رقم 1689) ، وابن حبان (8/256 ، رقم 3480) . وأخرجه أيضًا : البغوي فى الجعديات (1/414 ، رقم 2831) ، والنسائي فى الكبرى (2/238 ، رقم 3246) ، والبيهقي (4/270 ، رقم 8095). قال ابن رجب رحمه الله: "وسر هذا أن التقرب إلى الله تعالى بترك المباحات لا يكمل إلا بعد التقرب إليه بترك المحرمات، فمن ارتكب المحرمات، ثم تقرب بترك المباحات، كان بمثابة من يترك الفرائض ويتقرب بالنوافل.انتهى كلامه رحمه الله
2-عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ، ولا يصخب ، فإن سابه أحدٌ أو شاتمه ، فليقل : " إني امرؤٌ صائم " ) أخرجاه في الصحيحين .فقوله ( سابه ) : أي شتمه وتعرض لمشاتمته .وقوله ( قاتله ) أي نازعه ودافعه .وقوله ( إني امرؤٌ صائم )
قال النووي رحمه الله :( اختلفوا في معناه ،، فقيل :
1- يقوله بلسانه جهراً يُسمعْهُ الشاتم والمقاتل فينـزجر غالباً .
2- لا يقوله بلسانه ، بل يُحدث به نفسه ، ليمنعها من مشاتمته ومقاتلته ، ويحفظ صومه من المكدرات .
ولو جمع بين الأمرين لكان حسناً ) .
* ومما يستفاد من هذا الحديث :
1- حث الصائم على لزوم الحلم وكظم الغيظ .
2- مقابلة الإساءة بالإحسان
: أ - لأجل أن يصون صيامه عن المكدرات .
ب - ولأجل أن يتربى على تلك الفضيلة العظيمة . فتكون دأباً له يتمثَّلهُ في سائر أيامه ، وكافة أحواله وتقلباته .
وإذا كان الصائم مكلفا بعدم رد الأذى ودفعه عن نفسه لا لشيئ إلا لأنه صائم فمن باب أولى أنه مكلف بعدم إيذاء أحد من المسلمين سواءا بالقول أو بالفعل أو بأي صورة من صور الإيذاء لأن هذا يخالف معنى الصيام أولا ومعنى الإسلام ثانيا حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هذا هو معنى صيام الجوارح الذي تناوله السلف في كتبهم
3- وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء متفق عليه.
كذلك يصوم اللسان والسمع والبصر عما حرم الله تعالى ويعلم العبد إنه إذا إغتاب أحدا أو قذف أحدا فهو بذلك مخالف لآداب الصيام فيفرض بذلك سياجا شديدا حول جوارحه يحول بينها وبين الرزايا والمعاصي
المحور الرابع : المحور الإجتماعي
حيث يوحد شهر رمضان ويجمع الناس كلهم في القطر الواحد أو ربما في الأقطار كلها في وقت إفطار واحد ووقت سحور واحد ويجتمعون في صلاة واحدة وإن لم تكن فريضة وهي صلاة القيام كل هذا يعطي صورة لوحدة المسلمين المفقودة ، فمن المعلوم أن لكل منا ظروفه التي تختلف عن الآخر فربما يرجع هذا من عمله في وقت متأخر وهذا مبكر ، أما أن يجتمع الكل على الطعام في وقت واحد فهذا ما الا يحدث إلا في شهر رمضان ، والأعظم من ذلك هو شعور التكافل التراحم الذي يسير في خطين متوازيين وهما خط الفريضة وخط التطوع ، حيث الجميع مطالب بزكاة الفطر على سبيل الفريضة وندب الشرع من إستطاع إلى إفطار الصائم وسد حاجة المحتاج فيتذكر المرؤ ضعف الضعيف وجوع الجائع وحاجة المحتاج ويتذكر أجر مفطر الصائم وما للصدقة من أجر في رمضان فتجد أن المجتمع تعمه روح التكافل والتراحم
المحور الخامس : المحور الإيماني التعبدي
حيث يضاعف الله تبارك وتعالى الفريضة بأجر سبيعين والسنة بأجر الفريضة وفي هذا تحفيز وتنشيط للهمم أن تتسابق في طاعة الله تعالى ، ويخبر سبحانه أنه هو الذي يجزي على الصوم لا أحد غيره حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال""كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به" [رواه الإمام البخاري في صحيحه ج2 ص226 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. بنحوه.] ، كما أن رمضان منحة لمغفرة الذنب قطع النبي صلى الله عليه وسلم على من لم يغتنمنها بالخيبة والخسارة حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم " خاب وخسر من أدرك رمضان ولم يغفر له " صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أنظر معي إلى ما أودعه الله تعالى في هذا الشهر من نفحات وأعطيات حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)
وعنه أيضاً أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ( مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)
و عنه أيضاً قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (مَنْ قام لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) ، ويكأنها فرص إذا فاتتك إحداها أدركت الأخرى وإذا فاتك الجميع فقد خسرت خسرانا مبينا ، ثم أتساءل معك ما هي العلة من تقسيم الله تعالى الشهر إلى ثلاثة أثلاث حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار " صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هذا لتحفيز الهمم وعدم غلق الباب أمام من أعتراه التقصير في أي من أيام الشهر،
ويكأن رمضان جاء ليقول لك:
يا من تقصر في صلاة الجماعة هلم إلى صلاة الجماعة فالفريضة بسبعين فريضة ،
يامن تبخل بمالك من فطر صائما فله مثل أجره من غير أن ينقص ذلك من أجره ،
يا من تؤذي الناس كف أذاك عن الناس حتى يصح صومك ،
لو أمعنا النظر في هذه المحاور لوجدنا أنا يد رمضان قد أمسكت " بعصا التحويلة " وجاءت كي تحولنا عن خط التقصير في جنب الله وتضعنا على المسار الصحيح ، على المسار الصحيح في الأخلاق والعبادات والمعاملات والإنفاق وفي كل شيئ ، ولكن هل فقه رسالة رمضان من عاد بعد رمضان كما كان قبل رمضان ؟؟؟؟؟!!! نسأل الله تعالى العافية
نلتقي في مرة أخرى بإذن الله تعالى

Friday, August 7, 2009

لحن الحجة ولي عنق الحقيقة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لا تخلو حياة المرؤ من خصومة أو عداوة تقع بينه وبين أحد الناس ، وليس الخطر في الخصومةوإنما الخطر فيما يترتب عليها ، فقد يدفعه حب الإنتصار لنفسه والفوز في هذا الموقف إلى الخروج عن دائرة الحق والسقوط في الإثم وهذا ما نود تحليله في هذا المقال

إستهلال:

كان من دعاء النبي صلى الله عليه عليه وسلم " .... أسألك كلمة الحق في الغضب والرضا " صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجمهور الناس على عكس ذلك بمعنى أن من رضي عنك أذاع خيرك وكتم شرك وهو هو نفس الشخص إذا غضب عليك أذاع شرك وستر وجحد خيرك ، والمقسطون الذين هم على منابر من نور على يمين الرحمن وكلتا يدي الرحمن يمين كما جاء في حديثه صلى الله عليه وسلم هم الذين يعدلون في أنفسهم وأهليهم وما ولوا ، وقمة العدالة أن تكون مع الخصم ، وقمة العدالة أن تكون مع العدو

( 2 ) صور العدالة :

للعدالة صور كثيرة لا يختلف حولها الناس ولكن قلنا أن أهم صور العدالة نلخصها فيما يلي :

1-العدل مع الخصم حتى لو على النفس وذوي القربى :

الآية : 135 في سورة النساء {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً}

جاء في تفسير القرطبي في هذه الآية أن السلف الصالح رضوان الله عليهم كانوا يجيزون شهادة الزوجة لزوجها وشهادة الزوج لزوجته وشهادة الوالدين للولد والولد للوالدين ولما أحدث الناس أمور تغيرت بها العدالة وظهرت المنفعة من وراء الشهادة أبطلواهذه الشهادة هذه واحدة، يقول عبد الله بن عباس رضي الله عنه في تعليقه على هذه الآيه "أمروا أن يقولوا الحق ولو على أنفسهم " المعنى متضح هو أن ترسي الحقيقة وتظهرها وتجليها حتى ولو كانت هذه الحقيقة ضد مصلحة الإنسان أو والديه أو الأقربين بل ولربما فيها هلاكه وفي هذا يقول القرآن في سورة المائدة " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بل القسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا ، إعدلوا هو أقرب للتقوى وإتقوا الله إن الله خبير بما تعملون " سورة المائدة الآية رقم ( 8 ) جاء فيها أيضا في تفسير القرطبي "
ودلت الآية أيضا على أن كفر الكافر لا يمنع من العدل عليه ، وأن يقتصر بهم على المستحق من القتال والاسترقاق ، وأن المثلة بهم غير جائزة وإن قتلوا نساءنا وأطفالنا وغمونا بذلك ؛ فليس لنا أن نقتلهم بمثله قصدا لإيصال الغم والحزن إليهم ؛ وإليه أشار عبد الله بن رواحة بقوله في القصة المشهورة : هذا معنى الآية. وتقدم في صدر هذه السورة معنى قوله : { وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ } . وقرئ { وَلا يُجْرِمَنَّكُمْ } قال الكسائي : هما لغتان. وقال الزجاج : معنى { لا يُجْرِمَنَّكُمْ } لا يدخلنكم في الجرم ؛ كما تقول : آثمني أي أدخلني في الإثم. ومعنى { هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } أي لأن تتقوا الله. وقيل : لأن تتقوا النار." أي لا يجوز معاملة الأعداء بمثل معاملتهم ولا إنتهاج نهجهم من المناهج والأساليب الباطلة لإيصال الإيذاء إليهم كما آذوا المسلمين وفي هذا إشعار للعدالة مع الأعداء أيما إشعار

( 2) - العدل في إستيفاء الحق :

فمن صور العدالة مع الخصم العدل في إستيفاء الحق وعدم الزيادة عليه فيأخذ أكثر من حقه كما في قصة إستشهاد حمزة رضي الله عنه فقد أقسم النبي صلى الله عليه وسلم لما رأي عمه رضي الله عنه مقتولا ممثلا به ليمثلن بسبعين من المشركين وقال " والله ما أوقفتني قريش موقفا هو أغيظ لي من هذا الموقف " ولما رأي المسلمون ذلك كلهم أقسموا كقسم النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية " وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين " سورة النحل والصبر خير من أخذ الحق أيضا في سورة البقرة في قول الله تعالى "الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن إعتدى عليكم فاعتدو عليه بمثل ما أعتدى عليكم واتقوا الله وأعلموا أن الله مع المتقين " سورة البقرة آية ( 194 )

( 3) - العدالة في عرض الحجة :

فعلى المرؤ أن يأتي بحجته مجردة عن الإنطباعات الشخصية أو التنميقات أو فصاحة اللسان وحلاوة البيان أو ما إلى ذلك من الأساليب الإعلامية التي يكون من شأنها لي عنق الحقيقة وصرف أنظار الناس إليه على أنه صاحب الحق وهو غير ذلك أو قد يكون صاحب جزء من الحق ويحاول بحجته وأسلوبه وبيانه أن يأخذ الجزء الآخر فكل ذلك مما نهى عنه الشرع الحنيف والسنة المطهرة ، وما أساليب وسائل الإعلام من صحافة وجرائد ومجلات وإذاعة وتلفزيون ومواقع نت بخافية أو بعيدة فقد يكون الشخص صاحب حق ويصوره الإعلام على أنه مجرم عتيد الإجرام وهذا كله حرام ولو إنتهج المظلوم هذا الأسلوب محاولة إلى وصوله إلى حقه أو بعض حقه لوقع بذلك في الحرام ،، وجاء في كتاب صحيح البخاري ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏مَالِكٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِيهِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏زَيْنَبَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أُمِّ سَلَمَةَ ‏ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ‏ ‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ ‏ ‏أَلْحَنُ ‏ ‏بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ فَلَا يَأْخُذْهَا ‏" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا جاء الحديث بروايات متعدد نسوقها للفائدة:

( 1 ) حدثنا أبو بكر قال حدثنا وكيع قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنكم تختصمون إلي ، وإنما أنا بشر ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، وإنما أقضي بينكم على نحو مما أسمع منكم ، فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فلا يأخذه ، فإنما أقطع له قطعة من النار يأتي بها يوم القيامة .

( 2 ) حدثنا أبو بكر قال حدثنا وكيع قال حدثنا أسامة بن زيد الليثي عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن أم سلمة قالت : جاء رجلان من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم يختصمان في مواريث بينهما قد درست ليس لهما بينة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنكم تختصمون إلي ، وإنما أنا بشر ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، وإنما أقضي بينكم على نحو مما أسمع منكم ، فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فلا يأخذه ، فإنما أقطع له به قطعة من النار ، يأتي بها إسطاما في عنقه يوم القيامة ، قالت : فبكى الرجلان وقال كل منهما : حقي لأخي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما إذ فعلتما فاذهبا واقتسما وتوخيا الحق ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه .

( 3 ) حدثنا أبو بكر قال حدثنا محمد بن بشر الغنوي قال حدثنا محمد بن عمرو قال حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما أنا بشر ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، فمن قطعت له من حق أخيه قطعة فإنما أقطع له قطعة من النار [ ص: 357 ]

( 4 ) حدثنا أبو بكر قال حدثنا وكيع قال حدثنا ابن عون عن إبراهيم عن شريح أنه كان يقول للخصوم : سيعلم الظالمون حق من نقصوا ، إن الظالم ينتظر العقاب ، وإن المظلوم ينتظر النصر .

( 5 ) حدثنا أبو بكر قال حدثنا ابن أبي زائدة عن عوف عن محمد قال : كان شريح مما يقول للخصيم : يا عبد الله ، والله إني لأقضي لك وإني لأظنك ظالما ، ولكني لست أقضي بالظن ، ولكن أقضي بما أحضرني ، وإن قضائي لا يحل لك ما حرم عليك .

من ثنايا الحديث فمن اللحن بالحجة إستغلال جهل القاضي أو السامع بمسألة معية والتوسع في ذكر تفاصيلها ومن اللحن بالحجة توسيع الأمر وتحميله ما لا يحتمل ومن اللحن في الحجة السبق بالشكوى ولبس لباس المظلوم وإدعاء الحق وفي هذا يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه " من جاء مفقوء العين فلا تحكم له فلربما فقأ عيني الآخر " يعني هذا أنه على السامع والقاضي ألا ينساق وراء التضليل الإعلامي الذي يحدث فلربما نسج أحد الخصمين حول نفسه غلالة من المسكنة وهو في الحقيقة كاذب أو ربما ظالم ومن أعظم الجنايات المبنية على رغبة النفس في الإنتقام والتشفي ولي عنق الحقيقة هي شهادة الزور واليمين الغموس وهي من قبيل لي عنق الحقيقة واللحن بالحجة أيضا فهما قد إتحدا في العلة وكما يقول علماء الأصول أن الإتحاد في العلة يعطي نفس الحكم ، اللاحن بحجته يلحن ليكسب موقفا كذلك الشاهد بالزور يشهد ليكسب شخص موقفا ربما يعود بالنفع عليه ومثله مثل الحالف باليمين الفاسقة ولهذا عدها النبي صلى الله عليه وسلم من الكبائر وعن أبي بكرة – – قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم : " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ( ثلاثاً ) ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : الإشراك بالله و عقوق الوالدين و جلس وكان متكئاً فقال : ألا و قول الزور " قال : فما زال يكررها حتى قلنا : ليته سكت ". رواه البخاري و مسلم ، قال ابن حجر في قوله: " و جلس و كان متكئاً " يشعر بأنه اهتم بذلك حتى جلس بعد أن كان متكئاً ، و يفيد ذلك تأكيد تحريم الزور وعظم قبحه ، و سبب الاهتمام بذلك كون قول الزور أو شهادة الزور أسهل وقوعاً على الناس ، و التهاون بها أكثر ، فإن الإشراك ينبو عنه قلب المسلم ، و العقوق يصرف عنه الطبع ، و أما الزور فالحوامل عليه كثيرة ، كالعداوة و الحسد وغيرها ، فاحتيج للاهتمام بتعظيمه و ليس ذلك لعظمها بالنسبة إلى ما ذكر معها من الإشراك قطعاً ، بل لكون مفسدة الزور متعدية إلى غير الشاهد بخلاف الشرك فإن مفسدته قاصرة غالباً.إنتهى

** الشاهد :
علينا جميعا أن نبتعد عن اللحن بالحجة وألا نعيب على الناس أفعالهم و نأتي بها فلك أن تتخيل أن أحد الناس كان خصما لك وفاقك في صياغة حجته وأنت صاحب الحق حتى عمى على القاضي الحقيقة وإنتزع حقك ماذا يكون شعورك تجاهه ؟؟؟
ألا هل بلغت .... اللهم فأشهد
نلتقي في مرة أخرى بإذن الله تعالى