Sunday, November 21, 2010

طحن الطحين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعرف أن هذا المقال ربما يعد خروجاً عن المألوف ومخالفة لقواعد متعارف عليها وأعرف أيضا أنه ربما يحدث دوياً وصدمة لبعض القراء وذلك إذا قدر له أن يرى النور وينشر غير أنني أود أن أثبت أنه ليس نوعاً من التنازل والخور ولكنه محاولة لمناقشة بعض الأمور التي باتت عند الكثير من المسلمات غير أنها لو أخضعت للمراجعة والبحث المنطقي لتبين أنها غير ذلك ، نهدف في هذا المقال إلى بحث الإنتخابات كوسيلة للتغيير ووسيلة دعوية محاولين تقديم حساب أرباح وخسائر لهذه الوسيلة - وأقول الوسيلة - وذلك لأنها ليست غاية في حد ذاتها ، نقول وبالله التوفيق أن الإنتخابات كوسيلة دعوية ووسيلة للتغيير ينتابها كثير من العوار الذي يحدو بنا إلى إعادة تقييمها وإذا كان هناك إنصات لما تخرج بها نتائج البحث فلربما أطحنا بها في الهواء إلى غير رجعة .
أولا : الإنتخابات كوسيلة دعوية :
1- الإنتخابات كوسيلة دعوية إستنفذت أغراضها
كثير من الدعاة يرى أن الإنتخابات وسيلة دعوية هامة لطرح فكرة الإسلام الشاملة التي تشمل كل مظاهر الحياة جميعاً بما في ذلك الحكم والسياسة وإيصال ذلك الخطاب إلى العامة وجمهور الناس ، وتاريخياً كان هذا الخطاب ذا رواج شديد عند الناس إعتباراً من إنتخابات عام 1987 م وكان ذلك بداية ميلاد شعار " الإسلام هو الحل " ثم تعاقبت بعد ذلك الإنتخابات وكانت القرارات والقضايا التي رفعت من أجل إقصاء هذا الشعار عن الوجود في العملية الإنتخابية بل ربما أراد مناهضوه إقصاءه من الحياة العامة كلها، أقول إن الإنتخابات كوسيلة دعوية قد حققت إهدافها وإستنفذت أغراضها لذا وجب على الحركة الإسلامية البحث عن وسيلة أخرى تؤدي هذا الغرض بل وأقول أننا في هذا لمجال يجب أن نكون متعددي الوسائل والتي تخدم هذا الهدف
2-المنع والتضييق على هذه الوسيلة بما يحد من قيمتها
غير خاف على القاصي والداني ما يرى من منع كافة وسائل الإتصال بالناس مثل :
- مصادرة المطبوعات
-عرقلة المسيرات الإنتخابية
-منع المؤتمرات الإنتخابية على مرشحي الحركة الإسلامية وحرمانهم من أهم وسيلة للإتصال الفعال بالجماهير
-الإعتقالات والمنع والتضييق لأنصار المرشح وتضييق دوائر الأتصال بالناس
-حرمان مرشحي الصوت الإسلامي من كافة وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة وفي المقابل الحملة الإعلامية المضادة القوية عليهم
من هذا نرى أن الإتصال الفعال بالناس خلال الحملة الإنتخابية لإيصال الفكرة الإسلامية والتي هي الهدف الأسمى من هذه الوسيلة يكون في أضيق نطاق أو في حدود ما تسمح به آلية النظام المصري فإن قال قائل فما تم تحقيقه من نتائج سابقة كنتيجة إنتخابات عام 2005 وعام 2000 كيف كان إذا ؟؟؟ يكون الرد أن ما تم تحقيقه بفضل الله أولا ثم كان رد فعل القمع والتغييب بالسجون لأنصار المرشحين مما أحدث معه موجة عارمة من التعاطف كانت كفيلة بالإطاحة بمرشحين النظام ككل
ثانياً : الإنتخابات كوسيلة للتغيير
من يظن أن التغيير قادم من خلال صندوق الإنتخابات فهو واهم بل هو سادر في غفلته والتحليل العقلي ونتائج الواقع تؤيد ذلك ، أقول إن الإنتخابات كوسيلة للتغيير يشوبها كثير من العوار للأسباب التالية :
1-هذه الوسيلة في كافة مراحلها تضمن وتكفل لواضيعها التدخل لتعديل النتيجة كما تقتضي أهواءهم فلو إستغرضنا كافة العملية الإنتخابية سنرى أنها كما يلي :
-قبول أوراق المرشحين :
هذه لا تعتبر من مراحل العملية الإنتخابية إلا أنها سابقة عليها وغير خاف عن المتابعين أنه يتم منع مرشحي الصوت الإسلامي من تقديم أوراقهم بكافة الوسائل بما في ذلك تعقييد الإجراءات ومروراً بالطوابير الوهمية إلى ما يستحدث من وسائل جديدة تتفتق عنها قريحة النظام المصري
-اللجان الإنتخابية :
عدم إعطاء مرشحي الصوت الإسلامي توكيلات عامة وخاصة للمندوبين التابعين لهم بل وطرد وإعتقال المندوبين وتغييب كافة مؤسسات المجتمع المدني والمراقبين عن متابعة ومراقبة سير عميلة الإنتخابات
-مرحلة الفرز :
فإذا سارت العملية الإنتخابية كما ينبغي في كافة مراحلهايتم التزوير في هذه المرحلة بل أقول إن التزوير في هذه المرحلة - كما حدث في إنتخابات دائرة دمنهور وزاوية غزال عام 2005 - هو أخطر عمليات التزوير وذلك لأن كل المراحل السابقة عليه تمت كما ينبغي ثم يأتي التزوير فيسرق ما قد تم مما يعني سرقة جهد وتعب وفرحة وأمل الذين شاركوا في العملية الإنتخابية
-الإشراف القضائي على العملية الإنتخابية
كان الحكم التاريخي الصادر من المحكمة الدستورية العليا بقاضي لكل صندوق بارقة أمل وحصن حماية لآمال الناخبين وقد برهنت التجربة على صدق هذا الأمل في إنتخابات عام 2000 م ثم جاءت الهجمة الإقصائية على القضاء وحصره بدعوى السمو بمكانة القاضي ورفعه عن أن يكون في لجنة فرعية وما إلى ذلك من كافة الدعاوى الحكومية التي تم الترويج لها فجاء التعديل بأن القاضي وجوده في اللجنة العامة وليس في اللجان الفرعية مفسحاً المجال للمزوريين وأذنابهم حتى يرتعوا ويمرحوا
-إعلان النتيجة عن طريق اللجنة العامة للإنتخابات
وهذه المرحلة أيضاً من الخطورة بمكان حيث يتم تجميع النتيجة على مستوى الدولة ككل وتولي إعلانها عن طريق وزارة الداخلية وقد شهدت إنتخابات عام 1987 م تصريحاً مضحكاً لوزير الداخلية الراحل زكي بدر " وإن إرتفاع نسبة تمثيل المعارضة لهي دليل على نزاهة الإنتخابات " والذي حضروا هذه المرحلة يتذكروا أن هناك مرشحين قد نجحوا فعلاً وتم إقصاؤهم وإستبعادهم لأسباب مجهولة
من إحصاء هذه المراحل نرى أن خروج العملية الإنتخابية بشكل نزيه لا يتم إلا إذا كان القائمون عليهاصديقون أو قوم أطهار طهارة فوق طهارة البشر
2-الخصم والحكم في هذه العملية هو شخص واحد حيث تتولى وزارة الداخلية الخاضعة للحزب الوطني متابعة العملية من أولها إلى آخرها وكيف يتصور أن يكتب أحد الناس نعيه بيده
3-الإنتخابات آلية لبرالية أو خاصة بالنظرية الديمقراطية والبون بينها وبين النظرية الإسلامية بون شديد وذلك لأن :
-فكرة المجالس النيابية فكرة مستحدثة لم تكن على عهد الدولة الإسلامية الأولى وإن قال قائل أن طريقة الحكم ليست وحياً وإنما هي إجتهاد ومن حق الناس أن يجتهدوا وفق القواعد الإسلامية حسب مقتضيات كل عصر نقول أننا تلقفنا هذه الآلية دون بحثها وتمحيصها ومن قال أن الناخب العامي الجاهل الغير متعلم يملك حق تقرير من ينوب عنه أو حق تقرير من يحكمه وهذه نقطة غاية في الخطورة ، إن إختيار الحاكم في الدولة الأولى كان يتم عن طريق أهل الحل والعقد الذين يختارون من يحكم ثم يجمعون له البيعة من الأمصار أما الأختيار بهذه الطريقة فهناك تحفظ شديد عليها
- إن المواطن البسيط يملك من الضغوط والمشاكل ما يكفي لتحيز قراره وإنحرافه وقد قال الفقهاء " لا يحكم القاضي وهو جوعان ولا يحكم القاضي وهو غضبان " فما بالك بهذا المواطن وهذا الشعب الذي يعيش أكثر من 60% منه تحت خط الفقر فهو بالدليل جوعان وغضبان وسيأتي بأي أحد يطعمه ويسد فقره أياً كان هذا الأحد نكاية في الحزب الوطني
-ماذا لو جاءت نظرية الديمقراطية عن طريق آليتها الإنتخابية بأحد من الشواذ أو دعاة الفساد هل نتقبله إحتراماً لإرادة الشعب ؟؟؟؟ إن الذين دندنواحول الديمقراطية والإنتخابات ضاقوا بها ذرعاً عندما جاءت بالإسلاميين حتى أن الكاتب محمد سلماوي عقب إنتخابات 2005 قال في مقابلة تلفزيونية له بالتلفزيون المصري " إننا كمثل رجل تعلم سواقة سيارة ثم ساقها فكادت أن تؤدي به إلى هلاكه " مشيراً بذلك إلى نجاح كم كبير من مرشحي جماعة الإخوان المسلمين فماذا لو تبادلنا المقاعد بمعنى أن جاءت هذه الإنتخابات بأحد المخالفين للشريعة الإسلامية
-من المعروف إن نظرية الأغلبية هذه تخضع للعرف العام وإتجاهات الناس وليست الكثرة والأغلبية ممدوحة على الإطلاق في الشريعة الإسلامية بل قد ذمها القرآن في غير موضع " وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين " وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون " وفي المقابل مدح القلة وأثنى " وقليل من عبادي الشكور " " وقليل ما هم " بمعنى أن فكرة الفوز على أساس الأكثرية والهزيمة على أساس الأقلية فكرة تحتاج إلى نظر وقياس من وجهة نظر القرآن والسنة فليس كل كثرة خير أو صلاح وليس كل قلة شر أو فساد
4-إن أعلى الدول ديمقراطية وحرية للرأي لم تسلم من التزوير في الإنتخابات والشاهد على ذلك الإنتخابات الرئاسية الأمريكية حيث تم فيها التزوير لصالح جورج بوش الإبن
5-ليس من المعقول وضع شرع الله ومنهجه محل إختيار وإقتراع عند العامة قبلوه أم رفضوه فالناس عبيد لله محكومين بشرعه وليسوا مختاريين فيه ، ثم الإشكالية الكبرى إذا سقط مرشحو التيار الإسلامي في إنتخابات حرة نزيهة - هذا جدلاً- السؤال هنا هم الذين سقطوا أم الفكرة ؟؟؟ وكثير منا نحن وليس من العامة يتعامل على أن الرجل - المرشح - هو الفكرةوالفكرة هو، وهل نستطيع قبول فكرة رفض منهج الله وشريعته في إنتخابات حرة !!!!!!!أقول إن الناس محكومين بشريعة الله وليسوا مختاريين
6-طريقة الدعاية الإنتخابية والخطاب الجماهيري طريقة برجماتية مع الفارق في أسلوب كل فريق حيث يلجأ فريق إلى إعطاء الناخبين نقوداً وعطايا مادية وفريق آخر يلجأ إلى مخاطبة جمهور الفقراء بوعود إنتخابية بعضها لا يمكن تنفيذها والبعض الآخر هي من قبيل الأماني أو يحال بينه وبين تطبيقها ومخاطبة الناس عن مشاكل عامة تخص الدين والمجتمع بينما هم غارقون في مشاكلهم الشخصية وكلا الأسلوبين يهدف إلى نتيجة واحدة هذا يهدف إلى الحصول على الصوت الإنتخابي طواعية مستغلاً حاجة الناخب وهذا يهدف إلى الحصول على الصوت الإنتخابي تحت تأثير المشاعر الجياشة والأحاسيس الفضفاضة دون النظر إلى القناعة واليقين ، وبصرف النظر عن هذا الفريق وهذا الفريق فلا بد أن تتم الدعاية الإنتخابية بأسلوب برجماتي فكل ناخب يدعوا إلى نفسه ، وأقول أنه يجب التبين وعدم دغدغة مشاعر العامة بشعارات وأقوال وخطب يصعب إسقاطها على الواقع مما يعطي جمهور الناخنبين إنطباعاً أن هذا الفريق من المرشحين ما هو إلا ظاهرة صوتية وقد يكون في كثير من الإحيان إن إستعباد البيان أقوى من إستعباد السنان
7-كثير من تصرفات أبناء الحركة الإسلامية خلال العملية الإنتخابية كان أقرب إلى ردود الأفعال عنه إلى الأفعال على سبيل المثال لا الحصر
-ما ثار حول شعار الإسلام هو الحل وأن الحركة الإسلامية لا تملك آلية حقيقة لتطبيقه فجاءت البحوث والكتابات لتبين هذا المعنى
-ما ثار حول البرنامج الإنتخابي للإخوان المسلمين ثم ظهر البرنامج الإنتخابي وثار حوله مشاكل عدة أدت إلى أجراء بعض التعديلات عليه
-ترشيح بعض الأخوات لتأكيد أن المنهج الإسلامي لا يناهض المرأة ولا يحارب توليها للمناصب العامة
-لغة الحوار حول موضوع الأقليات والأقباط
أتساءل هنا لماذا لم تكن هذه البحوث والكتابات سابقة على موجات الهجوم هذه ؟؟؟ أم أن أبناء الحركة أسترشدوا بموجات الهجوم حتى يحدثوا نوعاً من التكميل والإصلاح ؟؟؟؟ ينبغي لحركة إسلامية تبغي الإصلاح أن يكون لها أجندتها السابقة المستقلة النائية عن ردود الأفعال البعيدة عن أرضاء أصحاب الإتجاهات المعاكسة أو حتى الهدف إلى إرضاء وجذب العامة
-مبدأ المشاركة لا المغالبة وما فيه لمحاولة التوفيق والتجميع وإستمالة القوى السياسية الأخرى وإزالة خوفها من تيار الإخوان المسلمين السياسي مما يعني الإكتفاء بعدد معين ونسبة من المرشحين وإزالة خوف الحزب الوطني وحكومته وعدم إستعدائه على الحركة الإسلامية
8-الأخطر والأدهى من كل ما سبق أن تجربة الواقع تشهد بعدم إمكانية تولي أبناء الحركة الإسلامية لزمام الأمور عن طريق صندوق الإنتخابات وتجربة الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالجزائر خير شاهد وتجربة حركة حماس خير شاهد فالمجتمع الدولي لا يقبل أن تأتي حركة إسلامية لزمام الحكم عن طريق صندوق الإقتراع بل إن بعض سدنة الديمقراطية مازال مقاطعاً لحركة حماس رغم أنها حكومة منتخبة إنتخاباً حراً طبقاً للآليتهم المعتمدة
9-السؤال هل الشرعية تكتسب من إنتخاب الشعب أم من ماذا ؟؟ أنها شرعية طبقاً للنظام الناتجة منه وليست شرعية حسب اللفظ فالشرعية هي شرعية النظام من خلال الشريعة وهل يعني نتاج نظام يخالف شرع الله منتخب إنتخاباً حراً أنه نظام شرعي
10- في محاولة لضمان النزاهة يطالب أقوام بالإشراف الدولي وهي محاولة المستجير من الرمضاء بالنار وهل يعقل أن يجير قوم يضجوا من مجرد ذكر الإسلام قوماً يروا في الإسلام منهج حياة
تلك عشرة كاملة
أخيراً على الذين يدعون إلى الإستشهاد في سبيل الإنتخابات أن يتريثوا قليلاً في دعواهم ولأن الأمر لا يعدوا كونه وسيلة في حد ذاته وليس غاية وإذا كنت تملك زمام قيادة فئة فلا يعني ذلك أن تقودها إلى الموت شبهة
ألا هل بلغت اللهم فاشهد
إلى اللقاء في مرة أخرى بإذن الله تعالى

Tuesday, July 27, 2010

الحلقة الثالثة : لجنة أجرنات ومفاوضات الكليو 101

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نتناول في هذه المقالة الحلقة الثالثة والأخيرة من هذا البحث الخاص بحرب أكتوبر 1973 ونود أن نختم هذا البحث بما كنا قد بدأنا بالتنويه عنه هو أننا لسنا بصدد كتابة التاريخ بقدر ما أننا بصدد جلاء الأحداث وكشف الغبار عن الحدث الحقيقي بما توافر لدينا من معلومات ومحاولة تبيان الحقائق بعدما أعتورها التشويش من هذا الجانب وهذا الجانب فكلا من الجانبين يدعي أنه خرج من هذه الحرب منتصراً والحقيقة تحتاج إلى لجان لتقصيها
أولا : لجنة أجرانات :
ينبغي الحديث عن لجنة أجرانات أولا حيث هي الأولى من حيث الترتيب الزمني حيث تكونت لجنة أجرانات للوقوف على ما حدث لجيش الدفاع الإسرائيلي في حرب أكتوبر 1973 ، ولسنا هنا بصدد كتابة التاريخ الإسرائيلي ولكننا نأخذ منه ما يتواكب مع كتابة أحداث الموضوع الذي نقوم بتحليله
1- تكونت لجنة أجرانات في 21 نوفمبر 1973 أي بعد شهر ونصف تقريبا من أندلاع حرب أكتوبر وبعد حوالي سبعة وعشرين يوماً من وقف إطلاق النار وتلك نقطة جديرة بالتحليل ، حيث لم ينخدع الشعب الإسرائيلي بما روج له وزير دفاعه - موشي ديان - من أن جيش الدفاع قد خرج منتصراً من حرب يوم كيبور ، فتكونت هذه اللجنة من جراء الضغط الشعبي الشديد على حكومة رئيسة الوزراء جولدا مائير وذلك للوقوف على تفسير وحل لملفين هامين :
1-الملف الأول وهو : معلومات المخابرات بالنسبة للأيام السابقة لحرب يوم كيبور من حيث تحركات الأعداء -المصريين - العسكرية وإحتمال بدء الهجوم والقرارات التي أتخذها المسؤولون العسكريون والسلطات المدنية للرد على هذه التهديدات وكذلك الأداء الهزيل لجيش الدفاع الإسرائيلي في الأيام الأولى وأقول الأيام الأولى لحرب أكتوبر وهذا ما أكدته التقارير المنصفة والعادلة والموضوعية
2-الملف الثاني وهو وضع جيش الدفاع في حالة الحرب وحالة إستعداده في أيام ما قبل الحرب وعملياته إلى أن يتم إحتواء العدو :
ومما هو جدير بالذكر أن هذه اللجنة تكونت من جراء ضغط موضوع الأسرى الإسرائيلين لدى الجيش المصري وكذلك كثرة المفقودين وحاجة العائلات الإسرائيلية لمعرفة ما إذا كان أبناؤها في الأسرى أم في القتلى ، وإذا كانوا في جانب القتلى فالسؤال عن كيفية إسترداد جثثهم والقيام بدفنها ، وتلك النقطة كانت من النقاط الهامة جداً التي كان من الممكن أن يغتنمها الجانب المصري ويتخذها كورقة ضغط في صالحه في مفاوضاات فض الإشتباك بين القوات وكذلك مفاوضات فك حصار الجيش الثالث الميداني وهذا ما لم يفعله الجانب المصري ، وما يؤخذ من هذه النقطة هو سرعة تكون هذه اللجنة للوقوف على حل لهذين الملفين بعد إنقضاء الحدث بمدة وجيزة وبصرف النظر عن أداء هذه اللجنة من عدمه ، وكان ينبغي علينا تكوين ليس لجنة واحدة بل عدة لجان وقاعات بحث وأن يقتل الموضوع بحثاً للوقوف على حقيقة ما آل إليه الأمر في هذه الحرب ولكن ما حدث هو أننا إنسقنا وراء إعلام مضلل وزعامات زائفة وبطولات وهمية وغضضنا الطرف عما حدث فيها والحقيقة تصرخ وتدلل أن ثمة أخطاء فادحة أرتكبت وأرواح أزهقت وأموال تبددت وكارثة كادت أن تتحقق ولكن الله سلم ، ولكن أعود وأقول من حق الأجيال القادمة أن تعرف حقيقة حرب أكتوبر وحقيقة المخطئ والمصيب وهذا ما نادى به الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس الأركان ولكن لا مجيب
2- تكونت لجنة أجرانات من قاضيان كبيران ومراقب دولة وإثنين من رؤساء الأركان السابقين ورجل آثار وترأسهاالدكتور / شمعون أجرانات رئيس المحكمة العليا الإثنين الذين ترأسا أركان حرب جيش الدفاع الإسرائيلي وهما بيجال يادن ولسكوف ، وواضح من تركيب اللجنة أن لها كافة الضمانات الفنية والكفاءة العلمية ليكون قرارها صحيحا وحكمها صائباً إلا أن الإجراءات وكذلك الحكم شابهما نوع من العوار حيث فرضت اللجنة على جميع من تولت التحقيق معهم عدم إحضار محامين أو رجال قانون حتى لا يشوب الإجراءات نوع من التعقيد ولم تطبق اللجنة هذه الشروط على كل من وزير الدفاع موشي ديان ولا رئيسة الوزراء جولدا مائير وهذا خلل كبير في الإجراء ، مكثت اللجنة في بحثها لمدة عام كامل وجاء قرارها كأنه في محاولة لإيجاد كبش كي يذبح و شخص يلعب دور المتهم في تلك القضية فجاء تقريرها بإلقاء المسؤولية كاملة على جهاز المخابرات برئاسة إلياهو زعيرا وكذلك شمويل جونين قائد المنطقة الجنوبية ، وليس من قبيل الخروج على الموضوع إذا قلنا أن إلياهو زعيرا مكث يبحث في الموضوع ما يقارب العشرين عاماً حتى خرج بكتابه الذي هو أحد مراجع الموضوع والذي يقرر فيه عوار التقرير وتحيزه لكل من وزير الدفاع وكذلك رئيسة الوزراء
3- ما يجب أن نتوقف عنده هو ان الشعب الإسرائيلي لم تنطل عليه هذه الخدعة وخرجت المطاهرت تطالب بإقالة رئيسة الوزراء ووزير الدفاع وهذا الذي نطالب به هو النضج الشعبي الكفيل بمراقبة الأداء الحكومي ومحاسبتها طالما أن في ذلك مصلحة الشعب وهنا وقفة لا بد منها حيث نحار في فهم تصرفات شعبنا التي لا مبرر لها إلا أنه شعب تحكمه العاطفه وتسيره مشاعره لا المصلحة فإذا عقدنا مقارنة بين مواقف شعبنا والشعوب الأخرى في الأزمات لوجدنا شعبنا يتخذ موقفا فريداً لا من حيث الإستحسان وإنما من حيث الإستهجان حيث خرج ونستن تشرشل رئيس الوزراء البريطاني من الحرب العالمية الثانية منتصراً ورغم ذلك أسقطه الناخب البريطاني في الإنتخابات أما نحن فبعد هزيمة 1967 تنحى رئيس الجمهورية جمال عبد الناصر فيما يشبه الحركة المسرحية وخرج أبناء الشعب يطالبونه بالعودة !!!!!!!! هذه الشعوب تعرف تماما ما تريد وتعرف كيف تقيم حكامها أما نحن فأمامنا دهر دهير
ثانيا : مفاوضات الكليو 101
تمت مفاوضات الكيلو 101 بعد وقف إطلاق النار أي بعد يوم 26 أكتوبر 1973 حيث ترأس الجانب المصري الفريق محمد عبد الغني الجمسي بصفة رئيس أركان القوات المصرية بعد عزل الفريق سعد الدين الشاذلي وترأس الجانب الإسرائيلي أهارون باريف و ديفيد إليعاذر رئيس أركان القوات المسلحة الإسرائيلية حيث وقع الأول إتفاقية النقاط الستة الخاصة بفك حصار الجيش الثالث الميداني ووقع الثاني أتفاقية فض الإشتباك بين القوات ، دامت مفاوضات الكليو 101 سبعة عشر إجتماعأ ، عشرة إحتماعات خاصة بفك حصار الجيش الثالث الميداني وتوصيل الإمدادات الطبية والإدارية غير العسكرية له وسبع إجتماعات خاصة بفض الإشتباك بين القوات
في المرحلة الأولى منها - مرحلة العشرة إحتماعات - كان الهدف هو فك حصار الجيش الثالث الميداني وتوصيل الإمدادات له وكانت إسرائيل تعلم ذلك فكانت تضغط وبقوة على هذه النقطة وكان بيد المفاوض المصري نقطة قوة إلا أنه لم يستغلها ألا وهي نقطة الأسرى الإسرائيلين وكذلك القتلى والجرحى ولست أدرى ألم يكن يعلم القادة المصريين بالضغط الذي كانت تمارسه العائلات الإسرائيلية على القادة من أجل إسترجاع أبنائهم الأسرى أو جثث القتلى ؟؟؟؟؟ فجات النتيجة في شكل مهين ووجه ذليل حيث كانت الإمدادات تنقل إلى الجيش الثالث في شاحنات عند مدخل مدينة السويس يتم تسليمها لسائقين من الطرف الإسرائيلي حيث يتم نهب هذه الشاحنات ولا يصل منها إلا النذر اليسير
في المرحلة الثانية منها مرحلة السبعة إحتماعات الخاصة بفض الإشتباك بين القوات طرح الجانب الإسرائيلي بعض المبادئ العامة لتنفيذ فض الإشتباك وهي :
1- ألا تبدو عملية فض الإشتباك كهزيمة لأي طرف من الأطراف
2- أن تكون الخطط متوازية
3- أن يتم التحرك إلى خطوط مؤقتة لكنها قوية
4- نقطة خبيثة جدا وهي توفير إجراءات لتوفير جو السلام والتقليل من إحتمال الحرب وذلك بعودة الحياة الطبيعية لمنطقة القناة كضمان فعلي لعدم النية على الهجوم مرة أخرى ، أي إتخاذ منطقة مدن القناة بما يشبه الدرع الواقي أو تطمين عملي على عدم الهجوم من قبل الجانب المصري حيث تم إخلاء هذه المدن في أثناء الحرب
5- إقامة منطقة عازلة من قوات الطوارئ الدولية
في 28 نوفمبر 1973 كان الإجتماع السابع عشر والأخير وتم توقيع إتفاقية فض الإشتباك بين القوات المصرية برئاسة الفريق محمد عبد الغني الجمسي والقوات الإسرائيلية برئاسة ديفيد إليعاذر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي
وهنا نقطة جديرة بالتحليل هو أنه كان قد تم تولية الفريق عبد الغني الجمسي رئاسة الجانب المصري حسب زعم الرئيس السادات لأنه أعلم واحد بالخرائط وكان يجب أن يكون رئيس الجانب المصري هو الفريق سعد الدين الشاذلي ولكنه لم يول ربما للخلافات التي كانت قد بلغت ذروتها بعد حادثة الثغرة أو ربما أنه كان ينوي عزله من منصبه حيث تم عزله فعلياً في شهر ديسمبر 1973
عانت مفاوضات فض الإشتباك بين القوات من تعنت الجانب الإسرائيلي وبعد طول مباحثات يحتج الطرف الإسرائيلي بانه غير مفوض ببحث هذه النقاط أو أن الأمر مرجأ حتى يؤخذ راي الحكومة الإسرائيلية ، بالفعل أوشكت المفاوضات على الفشل إلا أنها نجت وخرجت للوجود بفضل ما عرف بسياسة المكوك أو السياسية المكوكية التي كان يتخذها وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر ، فزار القاهرة وزار القدس عدة مرات ، وجدير بالذكر هنا أن نذكر مباحثات أسوان بين الرئيس السادات وكيسنجر حيث وافق الرئيس السادات على تخفيض عدد القوات المصرية إلى سبعة آلاف رجل وعدد ثلاثين دبابة ينظمون في عدد ثمانية كتائب بعد ان كان للجيش المصري جيشين كاملين يقدر عددهما بحوالي مائة ألف رجل ، وجدير بالذكر أيضا أن الرئيس السادات لم يخبر الفريق الجمسي قائد الجيش بهذا الإتفاق الذي تم بينه وبين كيسنجر وعند عرض كيسنجر لهذا الإتفاق في مباحثات أسوان أعترض الجمسي وخرج من الإجتماع مغضباً حسب تعبيره ( راجع مذكرات حرب أكتوبر للمشير محمد عبد الغني الجمسي ) ، نقطة خطيرة هي أن رئيس الجمهورية لم يوقف رئيس أركان جيشه على حقيقة إتفاق ذو طبيعة عسكرية تم التوصل إليه مع الأعداء مما يلقي ظلالاً من الشك حول هذه الإتفاقات من جذورها
الموقف الثاني هو أن السادات قدم لمناحم بيجين رئيس الوزراء الإسرائيلي عند زيارته للقدس عام 1979 وعداً بعدم نقل قوات مصرية شرق ممري متلا والجدي وهذا أيضاًُ من تلقاء نفسه ودون الرجوع إلى قائد الجيش في أمور عسكرية تتعلق بتحركات الجيش وامن وسلامة القوات المصرية ، هذين الموقفين دعما من موقف إسرائيل في مباحثات فض الإشتباك بين القوات ومباحثات السلام وجعلها تأخذ موقف المتعنت ، أيضاً ساهم في ذلك العزلة العربية التي فرضت على مصر من قبل الدول العربية التي رفضت مباحثات السلام بين مصر وإسرائيل بل وأضعف موقف مصر في المفاوضات مما جعل الرئيس المصري يقبل بالتنازلات خوفاً من الفشل في المباحثات على حسب رأي المشير عبد الغني الجمسي
يرى وزير الدفاع الإسرائيلي موشي ديان أن يوم 18 يناير 1974 هو اليوم الحقيقي لوقف إطلاق النار حيث لم يقف إطلاق النار فعلياً من يوم 24 أكتوبر حتى هذا اليوم ويقول كان إختلافنا مع المصريين يتركز في نقطين هامتين :
1- من الذي سيحتل ممري متلا والجدي
2- النقطة الثانية تتعلق بتخفيض عدد القوات
لاحظ أن كلا من النقطتين تولى الرئيس المصري حسمهما لصالح الجانب الإسرائيلي
** نظرة عامة وخاتمة
يقول إلياهو زعيرا رئيس المخابرات الإسرائيلي أن وزير الدفاع موشي ديان قد طور فكرة الدفاع عن القناة بالخط الشهير الذي عرف بإسم خط بارليف إلا أن هنا وقفة أثبتها هو :
يقول أن نظريات الدفاع تقوم على نظريتين هما نظرية الدفاع الثابت و نظرية الدفاع المتحرك وبناء خط بارليف بهذا الشكل هو أحد أوجه نظرية الدفاع الثابت ألا أن هذه النظرية أثبتت التجربة خطأها للأسباب التالية :
1- جميع الخطوط الدفاعية مهما كانت إستحكاماتها سقطت عبر التاريخ أمام المهاجمين ولم تعق تقدمهم هذه واحدة ،
2- النقطة الأخرى هي خطأ فكرة الدفاع عن خط القناة الذي طوله 160 كم بحوالي ألف جندي وبضعة عشرات من الدبابات في مقابل سبع فرق مصرية وحوالي 1300 دبابة وحوالي 1100 مدفع هذا يعني أن ميزان القوى في صالح الجانب المصري
3- خط بارليف كان عدد نقاطه واحد وثلاثين نقطة أغلق شارون منها خمسة عشر نقطة عندما كان قائداً للمنطقة الجنوبية وأبقى منها ستة عشر تعمل فقط بإجمالي عدد مقاتلين خمسمائة وخمسة جندي لقى منهم مائة وستة وعشرون مصرعه وأسر مائة وأثنين وستين ونجا مائة وثلاثة وخمسون منهم وصمدت نقطة بودابست فقط ولم تسقط وكان عدد الذين فيها أربعة وستون جندياً
الملاحظة الهامة هي أن أريل شارون عندما كان قائداً للجبهة الجنوبية ( سيناء ) تولى تعديل نظرية الدفاع الإسرائيلية ونقلها من الدفاع الثابت إلى الدفاع المتحرك وهذا تعديل غاية في الخطورة ، وقبل أن ننتقل من هذه النقطة لاحظ تضارب الآراء بين الجانب المصري والجانب الإسرائيلي حول خط بارليف فيرى رئيس المخابرات الإسرائيلي أنه كان أحد اجزاء خطة الدفاع ولم يكن أهمها كما يرى الجانب المصري وراجع في ذلك الإحصائيات التي ذكرها ، ويجب أن نتوقف هنا لنتسائل هل كان الجانب المصري يعلم بهذه التعديلات التي أجراها شارون في نظرية الدفاع عن سيناء أم ؟؟؟
2- يرى إلياهو زعيرا أن نظرية الدفاع المتحرك التي كان يتخذها الجانب الإسرائيلي تسمح للمهاجم بتحقيق مكاسب مرحلية ثم بعد ذلك يتمكن المدافع من القيام بهجوم مضاد يمكنه من إختراق قوات المهاجم وهذا ما أكدته وقائق المعركة
3-يرى موشي ديان أن قائد الجيش المصري سعد الدين الشاذلي لم يكن يدرك ما تنوي القوات الإسرائيليه عمله من العملية " الغزالة أو الثغرة " وهذا مكن من حدوثها ، ورجوعاً إلى ما أسلفنا نرى أن الجانب المصري كان يعاني من نقص المعلومات تارة ومن عدم دقة المعلومات المرفوعة إلى القيادة
4- بالنظر إلى الشكل الذي أنتهت عليه الحرب ورجوعاً إلى ما قرره رئيس المخابرات الإسرائيلية حول نظرية الدفاع المتحرك نرى أن نتيجة المعركة بهذا الشكل كانت نتيجة حتمية بمعنى أن التغني بالنصر من جانب الجانب المصري وبهذا الحجم ليس صحياً على إطلاقه ، من الممكن القول أننا حققنا إنتصاراً في المرحلة الأولى أما ما بعدها ففيه شك كبير
بهذا نكون قد إختتمنا هذه الحلقة وهذا البحث سائلين الله عز وجل القبول والتوفيق
وإلى اللقاء في مرة أخرى بإذن الله تعالى

Friday, May 14, 2010

الحلقة الثانية : ثغرة الدفرسوار



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نتناول بإذن الله تعالى الحقلة الثانية من حرب أكتوبر عام 1973 وهي حسب التقسيم الذي كنا قد قسمناه في الحلقة الماضية هي الفترة من 15 أكتوبر 1973 حتى وقف إطلاق النار يوم 28 أكتوبر 1973 وقبل أن نبدأ أود أن أبدأ بهذا الإستهلال :
إستهلال :


1-إهداء إلى الأبطال الذين دافعوا عن أرضهم وعن مواقعهم وتمسكوا بها حتى قدموا أرواحهم شهداء في سبيل الله تعالى من رجال الجيش الثالث الميداني والجيش الثاني الميداني في معارك الإختراق الإسرائيلي لما بين الجيشين وفي معارك مؤخرة الجيش الثالث وفي معركة المزرعة الصينية وغيرها ، قدموا أرواحهم في صمت وصبر وما سمع بهم أحد ولا عرف بهم أحد وما عرفنا عنهم إلا النذر اليسير


2-إهداء إلى الأبطال الذين صبروا على الظلم والضيم وتبديل الحقائق وإلصاق التهم


مقدمات :


1- يقول اللواء محمد عبد الحليم أبو غزالة " أنه من المعروف عسكريا أن أصعب النقاط هي نقاط الإتصال بين القوات " محمد عبد الحليم أبو غزالة وإنطلقت المدافع عند الظهر


2-يقول الفريق عبد المنعم واصل " إن تكتيك إختراق القوات والوصول إلى مؤخرة قوات العدو وتدمير إحتياطياتها هو تكتيك معروف وكنا قد تدربنا على مواجهته قبل الحرب " مذكرات الصراع العربي الإسرائيلي للفريق واصل قائد الجيش الثالث الميداني


3-يقول ونستن تشرشل رئيس الوزراء البريطاني إبان الحرب العالمية الثانية " إن الإنتصار يحدث بأسلوبين : أسلوب المناورة بالقوات وأسلوب التحطيم والمذابح "
4-يقول أيلي زعيرا رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية إبان حرب يوم أو عيد كيبور كما يسمية اليهود " كانت خطة حرب أكتوبر كاملة قد وضعتها بين يدي وزير الدفاع موشي ديان ورئيسة الوزراء جولدا مائير كاملة حتى أنه كلما حقق المصريون شيئاً كنت أقارن بينه وبين ما عندي فلا أجد أي خلاف "


5-خريطة حرب أكتوبر مع أسماء بعض المعالم أضعها بين أيديكم وأوصيكم بقراءتها بتركيز شديد ومراجعة بعض ما جاء في الحلقة الأولى والثانية حول بعض الأماكن



** الثغرة :

تعرف هذه المرحلة من مراحل حرب أكتوبر بعملية " الغزالة أو القلب الشجاع " أو كما يقول الجمسي " التغرة " لأنها أحدثت ثغرة بين قوات الجيشين الثاني والثالث الميداني أو معركة الدفرسوار حيث دارت عند بحيرة الدفرسوار غير أن أسمها عند الجيش الإسرائيلي هو " عملية الغزالة أو القلب الشجاع " وكان القواد الإسرائيلين الذين قاموا بالعملية هم ثلاثة قواد " أريل شارون " و " مندلر " و " آدان " وبطل هذه العملية هو أريل شارون أما مندلر فقد قتل في هذه العملية و" وبرن " هو الذي فتح له الطريق كما سنلي بالتوضيح :

بدأت هذه العملية كما قلنا من تداعيات عملية تطوير الهجوم المصري كما يقول الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان الجيش المصري خلال حرب أكتوبر ، فقد ترتب على عملية تطوير الهجوم سجب القوات الإحتياطية التي كانت تغطي رؤوس الكباري المصرية من الجبهة الشرقية لقناة السويس وبالتالي تحمي مؤخرة الجيشين الثاني والثالث الميداني وإشراكها في عملية تطوير الهجوم نحو خط المضايق ، وإذا سلمنا بصحة المعلومة التي قد أوردناها في المقدمة والتي جاءت على لسان إيلي زعيرا من أن خطة الهجوم المصرية والجدول الزمني لها كان معروفا ومحدداً سلفاً لدي المخابرات الإسرائيلية وما حدث هو خطأ في الإجراءات من قبل وزير الدفاع فنسطيع أن نقول أنه من ثنايا معرفة العدو لخطة الهجوم المصرية فقد كانوا يعلمون بالتكتيك الذي سوف يتبع وهو عملية سحب قوات الإحتياطي والقتال بها أي أن العدو كان يعلم أن هذه المنطقة خالية من قوات الإحتياطي وهذه يفسر الإستماتة الشديدة للجيش الإسرائيلي في معركة المزرعة الصينية وكذلك الإستماتة في محاولة فتح الطريق للإتصال بقوات إريل شارون أو كما إتفق كل من الفريق سعد الدين الشاذلي واللواء محمد عبد الغني الجمسي من أنه تم إستطلاع الجبهة المصرية بواسطة طائرات إستطلاع أمريكية خارج مدى صواريخ الدفاع الجوي المصري وقد تم هذا الإستطلاع بعد عملية التطوير مباشرة وربما يكون الإحتمالين قد تما مع بعضهما البعض أو أن أحد الإحتمالين تم التأكد منه بواسطة الآخر أي أن القوات الإسرائيلية ربما تكون طلبت من الأمريكان التأكد من معلومة سحب الإحياطي حتي يتم الهجوم وإختراق القوات المصرية .

من المعلوم أن منطقة البحيرات المرة منطقة صعبة العبور كبيرة المساحة وهي المنطقة الواقعة بين قوات الجيشين الثاني والثالث الميداني حيث كان قطاع الجيش الثالث هو من البحيرات المرة حتى مدينة السويس وميناء الأدبية جنوباً وقطاع الجيش الثاني هو من منطقة البحيرات المرة وبورسعيد شمالاً وأصلح نقطة للعبور هي منطقة الدفرسوار وهي المنطقة التي أقام عندها الجيش المصري معبره أصلا وإذا كانت هذه النقطة في نطاق حماية الجيش الثاني أو بمعنى أدق في الحد اليمين للجيش الثاني الميداني وكما يقول اللواء محمد عبد الغني لجمسي في مذكراته " كانت العملية تهدف إلى الضغط على قوات الحد اليمين للجيش الثاني الميداني بهدف زحزحتها بضعة كيلومترات عن منطقة الدفرسوار بهدف الوصول إلى ساحل القناة وبالتالي التمكن من العبور

سيناريو العميلية :

قامت قوات المظلات الإسرائيلية بالوصول للمواقع المتاخمة لمياه قناة السويس وعبرت القناة في قوارب مطاطية وكان ذلك يوم 15 أكتوبر وكان من المفترض أن تتصل بها قوات إريل شارون ليلا لإقامة المعبر على قناة السويش تمهيدا لعبور القوات الإسرائيلية إلى الضفة الشرقية لقناة السويس إلى هذا الحد والعملية لا قيمة لها فمن الممكن قطع الطريق على القوات المتقدمة والقضاء على وحدة المظلات التي تم إبرارها في هذه المنطقة وهذا ما كاد أن يحدث ، حيث تم قطع الطريق يوم 16 أكتوبر على قوات أريل شارون بعدما وصلت لمياة القناة وأصبح من المتعذر وصول معدات العبور وكذلك الجسور وأصبحت قواته معزولة تماماً بل ومهددة بالقضاء عليها فأصبح لزاماً على القوات الإسرائيلية القيام بمحاولة لفتح الطريق للإتصال بقوات إريل شارون المدرعة

** محاولات مصرية لسد الثغرة " معركة اللواء 25 مدرع "" والفرقة " 22 مدرع بقيادة اللواء إبراهيم العرابي :

كان من المفترض أن يتقدم اللواء 25 مدرع من قطاع الجيش الثالث الميداني جنوبا في إتجاه الشمال ويتصل بالفرقة 22 مدرع من قطاع الجيش الثاني الميادني شمالاً التي ستتجه نحو الجنوب فيحكم غلق منطقة المرور ويقطع بين القوات الإسرائيلية التي وصلت لمياة القناة وقوات الإمداد الخاصة بها ، وعارض الفريق سعد الدين الشاذلي هذه الخطة معارضة شددية لأن هذه المنطقة خارج صواريخ الدفاع الجوي المصرية مما يعرض هذه القوات - اللواء 25 مدرع والفرقة 22 مدرع لنيران الطيران الإسرائيلي والصدام مع مدرعاته صداما مباشراً وهذا ما حدث بالفعل حيث بدأ اللواء 25 مدرع بالتحرك وووضح أن الجيش الإسرائيلي على علم بهذه الخطة أو ربما توقعها حيث تمت مهاجمة اللواء 25 مدرع المصري بعدد 3 ألوية مدرعة إسرائيلية كالتالي :

1-لواء في الواجهة قطع الإتصال بينه وبين الفرقة 22 مدرع ومنع إتصاله بها

2-ولواء هاجمه من الجانب

3-ولواء إلتف من خلفه

مما كان من نتيجته تدمير هذا اللواء بالكامل وتعذر نجاح سد الثغرة

** معركة المزرعة الصينية :

تقع المزرعة الصينية في المنطقة بين الجيشين الثالث والثاني وبالتالي هي في منطقة الإختراق وكان يسيطر على هذه المزرعة كتيبة مصرية بقيادة المقدم أركان حرب محمد حسين طنطاوي وزير الدفاع الحالي ولإتمام فتح الطريق وإتصال القوات الإسرائيلية بعضها ببعض كان لابد من إحتلال المزرعة الصينية وتدمير القوات المصرية بها فقامت القوات الإسرائيلية بالهجوم على منطقة المزرعة الصينية بواسطة لواء مظلات بقيادة اللواء " عوزي يائري " الذي وقع في شرك نصبه له القائد المصري فأفنى لواءه عن آخره وإستطاع هو ونائبه الخروج بأعجوبة وأتصل بالقوات الإسرائيلية لإخلاء الجرحى فتمت عملية إخلاء الجرحى عن طريق المدرعات ، وقامت قوات القائد الإسرائيلي " برن " بالهجوم على ثلاثة محاور المحور الأول شمالا للضغط على الحد اليمين للجيش الثاني الميداني و المحور الثاني جنوباً للضغط على الحد اليسار للجيش الثالث الميداني والمحور الثالث غرباً للهجوم على المزرعة الصينة وذلك لفتح الطريق والإتصال بقوات إريل شارون وبعد قتال ليلي عنيف ومعركة مدرعات تصادمية وقتال مباشر إستطاعت قوات " برن " فتح الطريق والإتصال بقوات إريل شارون عند ساحل القناة ومن ثم توصيل معدات وجسور العبور وفي يوم 17 أكتوبر 1973 وصلت القافلة إلى حدود قناة السويس وبدأ عبور المدرعات الإسرائيلية إلى الضفة الشرقية لقناة السويس وحدث ما يعرف بـ " ثغرة الدفرسوار " في الجيش المصري ، يقول وزير الدفاع الإسرائيلي موشي ديان " تكبدنا في معركة المزرعة الصينية خسائر فادحة إلا أننا كنا مصممون على إتمام العملية حتى لو تم إفناء القوات كلها " ويصف في موضع آخر شراسة المعركة وشدتها وإقتراب الدبابات بعضها من بعض وذلك في مذكراته المعروفة بقصة حياتي ، ثم توالى عبور المدرعات الإسرائيلية إلى الضفة الشرقية لقناة السويس " الجانب المصري " حتى وصلت عدد القوات الإسرائيلية إلى ثلاثة فرق .

سارت في إتجاهين أتجاه يحاول تطويق مدينة الإسماعيلة شمالا وإتجاه آخر في محاولة تطويق وإحتلال مدينة السويس وحصار الجيش الثالث الميداني

** الإتجاه الأول :

سارت القوات الإسرائيلية شمالا بمحازاة القناة ومتجة ناحية الإسماعيلة لإحتلالها إلا أنها فشلت في ذلك لإصطدامها بالفرقة الرابعة المدرعة بقيادة الفريق عبد العزيز قابيل الذي كان من إحتياطي الجيش الثالث الميداني فتم سحبه ووضعه تحت قيادة القوات المسلحة مباشرة وكانت هذه نقطة خلاف شديد حيث طالب الفريق عبد المنعم واصل برجوع الفرقة الرابعة المدرعة إلى قيادته لمواجهة الموقف المتداعي كما سنرى فلم يتلقى إجابة

** المحور الثاني

وهو المحور الأهم حيث سارت القوات الإسرائيلية بمحازاة قناة السويس جنوباً في إتجاة مدينة السويس في محاولة للوصول لمؤخرة الجيش الثالث الميداني وتطويقه وحصاره ومنع الإمدادت عنه وعن مدينة السويس ، يقول الفريق عبد المنعم واصل في مذاكراته الصراع العربي الإسرائيلي " فهمنا ما تهدف إليه الخطة الإسرائيلية فقمنا بنقل الإمدادت الإدارية ( الطعام والشراب وكل ما يحتاجه الجيش وكذلك الذخيرة ) إلى الضفة الغربية من القناة حتى نفوت على القوات الإسرائيلية خنق الجيش الثالث وحصاره " وبالفعل نجحت خطته مما كان له الأثر في تخفيف حصار الجيش الثالث ، نجحت القوات الإسرائيلية في تدمير مؤخرة الجيش الثالث المدينة وبالتالي أحكمت حصاره وإحتلت ميناء الأدبية جنوب السويس مما أحكم من حصار مدينة السويس ذاتها بل إن الفريق عبد المنعم واصل يذكر أن القوات الإسرائيلية دخلت مدينة السويس وحاولت إحتلالها ودخل جندي إسرائيلي إلى مبنى محافظة السويس وحاول رفع العلم عليها إلا أن الأهالي أردوه قتيلاً وكان لدعوة الشيخ / حافظ سلامة بالجهاد بها أثر كبير في إذكاء روح المقاومة كذلك الدور الذي قام به اللواء يوسف عفيفي في تسليح الأهالي مما مكن الأهالي من طرد الجيش الإسرائيلي من مدينة السويس وتدمير الدبابت الإسارئيلية وإعاقة دخولها إلى المدينة وعلى هذا يأسف موشى ديان أشد الأسف فيقول " لو إستطعنا إحتلال مدينة السويس لكان لهذا أثره الكبير في مفاوضات وقف إطلاق النار ولكن هذا لم يحدث " كان هذا الحدث في 24 أكتوبر 1973 وهو اليوم الذي عد يوم عيد مدينة السويس ، إستطاعة القوات الإسرائيلية حصار مدينة السويس وكذلك طريق القاهرة السويس وأصبحت على مسافة ساعتين من القاهرة والقوات الموجودة في الجانب المصري قوات ضعيفة لا تستطيع رد هذه القوة عن القاهرة لو أرادات الإتجاه إليها وفيما يلي خريطة تبين أوضاع القوات المصرية والإسرائيلية بعد حدوث الثغرة ووقت وقف إطلاق النار 28 أكتوبر 1973





** أسباب الثغرة

1- تدخل القيادة السياسية في قرارت القيادة العسكرية كما يقول الفريق سعد الدين الشاذلي وهذه النقطة كانت في صالح الجيش الإسرائيلي حيث يقول موشي ديان وزير الدفاع الإسرائيلي في مذكراتة " نحن كدولة ديمقراطية ليس في إستطاعة وزير الدفاع أن يتخذ قراراً إلا بما يشير عليه رئيس الأركان ومن ثنايا تقارير جهاز المخابرات وليس من شأن القيادة السياسية أن تتدخل في قرارات الجيش

2-عدم إدارك رئيس الأركان الفريق سعد الدين الشاذلي لحقيقة الموقف وذلك ناشئ عن التقارير التي تم رفعها له من بعض القادة الميدانين حيث يقول الفريق عبد المنعم واصل إنه بعد إخلاء الفريق سعد مأمون لإصابته بأزمة قلبية تم تعيين اللواء تيسير العقاد رئيس أركان الجبش الثاني الميداني قائداً للجيش خلفاً له ، والذي تلقى تقريرا من العميد عبد رب النبي حافظ قائد الفرقة الذي وقع في قطاعه الإختراق بأن عدد الدبابات الإسرائيلية المخترقة هو سبع دبابات وهو مخالف للحقيقة حيث كان العدد لواء إسرائيلي كامل يعني ما يزيد على المائة دبابة ومن ثم أعطى صورة مخالفة للحقيقة تعكس أن القوة المخترقة قوة ضعيفة سيتم القضاء عليها بسهولة والحقيقة غير ذلك ، مما يؤكد لنا أن رئيس الأركان لم يدرك حقيقة الإختراق إلا بعد أكثر من يوم يعني ربما يوم 18 أو 19 أكتوبر وذلك بعدما توجه بنفسه إلى قطاع الجيش الثاني

3-الخوف الشديد من تحطم سلاح الطيران المصري وعدم إستخدامه بكفاءة للقضاء على هذه الثغرة وذلك خوفاً من تحطمه وخروجه من المعركة كما حدث في حرب 1967 مما نتج عنه حرية عمل المدرعات الإسرائيلية في مؤخرة الجيش الثالث والثاني ، وكانت القوات الإسرائيلية قد واجهت نفس الموقف تقريباً على الجبهة السورية إلا أنها أحسنت أستخدام سلاح الطيران مما كان من أثره إرتداد الدبابات السورية بعد أن كانت على مشارف الأردن

4-إعطاء قيادة الجيش أهمية لطريق الإسماعيلة القاهرة وحمايته على حساب طريق القاهرة السويس مما أسهل من إحكام حصار الجيش الثالث ومدينة السويس

5-إستطاعات المدرعات الإسرائيلية تدمير قواعد صواريخ الدفاع الجوي مما جعل الثغرة ثغرتان ثغرة في الأرض وثغرة في سماء المعركة مما سهل عمل الطيران الإسرائيلي و تقديم العون لمدرعاته

6-عدم إستخدام مبدأ المناورة بالقوات كما أشار رئيس أركان الجيش المصري - لإحتواء الموقف - بسحب بعض الفرق التي لم تشترك أصلاً في القتال وسحبها لا يؤثر على توازن القوات في الضفة الغربية للقناة وإستخدامها لمواجهة الثغرة

7-الإضطراب الشديد في قرارات وزير الحربية أحمد إسماعيل علي في علاج الثغرة وعدم إحاطته ببعض الأمور كما يقول الفريق عبد المنعم واصل " أتصلت بالوزير وقلت له نحن نتعرض للضرب الشديد من الطيران فقال له الوزير : الطيران ده مصري ولا إسرائيلي ؟؟ وكان قائد الجيش الثالث قد طلب دعم الطيران المصري في المعركة فلم يتلقى إجابة ، كذلك موقف الفرقة الرابعة المدرعة وهي هل من إحتياطي الجيش الثالث أم من إحتياطي القوات المسلحة ؟؟؟

تم الوقف الفعلي لإطلاق النار يوم 28 أكتوبر 1973 وكانت القوات الإسرائيلية على بعد 25 كم من دمشق العاصمة السورية وعلى بعد مائة كم من القاهرة العاصمة المصرية وعدد 45 ألف ضابط وجندي هم تعداد الجيش الثالث الميداني محاصرين حصاراً كاملا مما يلقي ظلالاً من الشك حول مفهوم النصر في حرب 1973

** تساؤل :

هل بالفعل إنتصرنا في حرب أكتوبر 1973 ؟؟؟

إذا كانت الحرب تقوم بقرار سياسي وتنتهي بقرار سياسي والهدف منها خلق موقف سياسي فمن ثنايا هذا التعريف تكون إسرائيل قد إنتصرت في حرب 1973 وهذا ما يؤكده موشي ديان وزير الدفاع الإسرائيلي في مذكراته - رغم كذبه ومحاولته إخفاء بعض الحقائق والقفز من فوق بعض الحقائق - لأن الموقف السياسي الأخير كما أوضحنا كان في صالح إسرائيل حيث توقفت عن إحتلال دمشق والقاهرة خوفاً من تدخل الإتحاد السوفيتي تدخلاً مباشراً حيث ثبت أن الإتحاد السوفيتي وجه إنذاراً بالتدخل بإرسال قوات إلى القاهرة للدفاع عنها في حالة توجه القوات الإسرائيلية إليها كذلك إلى دمشق وفي هذا يقول ديان " أعطينا الأوامر لقواتنا أن تكون دمشق في مرمى مدفعيتنا ولكن لا نحتلها " وذلك للإعتبارات السابقة حيث أنه إذا تدخل الإتحاد السوفيتي فستتدخل أمريكا لصالح أسرائيل مما يعني حرباً عالمية جديدة

أيضا كما يقرر ديان لم تسمح الولايات المتحدة الأمريكية أن يتم تحطيم الجيش الثالث أو أسر أفراده إحكام حصاره و تركه يموت جوعاً أو عطشاً لأن ذلك هذا أيضاً سيؤدي إلى تدخل الإتحاد السوفيتي

الشاهد أن هرولة السادات لوقف إطلاق النار كان من أجل حفظ ماء الوجه وعدم تدهور الموقف إلى أسوأ مما كان عليه حيث كان كلا من الفريقين يعلم أن وقف إطلاق النار قادم لا محالة لكن الأذكى هو الذي أبقى قواته في وضع يسمح له بالمفاوضة من موقف قوة وهذا ما فعلته إسرائيل

إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى

مفاوضات الكليو 101 ولجنة أجرانات للتحقيق في حرب كيبور


Friday, March 12, 2010

بحث في حرب أكتوبر 1973 م - الحلقة الأولى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قد يقول قائل ما جدوى الكتابة في حدث مثل هذا وقد مر عليه ما يقرب السبعة وثلاثون عاماً ، وقد كتب فيه مؤرخون كثيرون وعقدت فيه ندوات بحثية و رسائل علمية ، ما دفعني فيه للكتابة هو ما يلي :
1-ما وقع تحت يدي من مذكرات لقادة الحرب نفسها وهم الذين عاصروا الحدث بل صنعوه ، فقمت بقراءة ما كتبوا جميعاً ثم قمت بمحاولة الجمع بين آرائهم للوصول إلى الحقيقة في أمر إختلف فيه كثير من الناس ولا شك وأن النتائج المترتبة عليه مازلنا نعاني منها حتى الآن
2-الجيل الحالي لا يعلم شيئاً عن هذه الحرب وما حدث فيها وأحسنهم حالاً يعلم ما تبقى من الحدث عن طريق وسائل الإعلام المحوكمة وهي أن مصر قد هزمت إسرائيل ، ولقد راعني مقابلة تلفزيونية أجرتها قناة " أو تي في " مع بض الشباب وسألتهم عن 6 أكتوبر فقال بعضهم إنها مدينة جميلة والبعض الآخر قال إنه تاريخ لا ينسى لأنه يوفق تاريخ عيد ميلاده ، وإذا وصل الأمر إلى هذا الحد فقد نجح اليهود أو من هم معهم في أن ينسونا الحدث وربما بمرور الزمن قد يطمسوا معلماً مهماً من معالم تاريخنا المعاصر
** مقدمة :
1-لن أتكلم عن الفترة من 6 أكتوبر حتى 9 أكتوبر فهي بحق كانت فترة نصر كاسح للقوات المسلحة المصرية على اليهود حيث سار كل شيئ كما هو مخطط له حسب الخطة العسكرية الموضوعة
2-نحاول بقدر الإمكان تجنب المصطلحات العسكرية الصعبة التي ربما تحدث عسراً في الفهم عند كثيرين منا مما يفقدنا التواصل مع الموضوع
3-نركز في هذا البحث على النتائج وإستخلاص العبر والعظات و أغلب ظني أن هذا البحث ربما يكون على حلقات متتابعة بإذن الله تعالى
4-نركز في هذا البحث على الفترة من 10 أكتوبر حتى 28 أكتوبر 1973 م وهو تاريخ الوقف الفعلي لإطلاق النار والفصل بين القوات ، مقسمين هذه الفترة إلى ثلاث فترات :
أ-الفترة من 10 أكتوبر 1973 حتى صباح يوم 14 أكتوبر 1973 وهي ما يعرف في تاريخ الحرب بـ " الوقفة التعبوية " ومعناها وقفة تجميع للقوات للقيام بتطوير الهجوم المصري تجاه خط المضايق
ب-الفترة من 14 أكتوبر حتى 15/16 أكتوبر وهي عملية تطوير الهجوم المصري تجاه خط المضايق
ج-الفترة من 16 أكتوبر حتى 28 أكتوبر 1973 م
أولا : الفترة من 10 أكتوبر 1973 حتى صباح يوم 14 أكتوبر 1973 " الوقفة التعبوية " كما تعرف بالمصطلح العسكري :
من تاريخ 6 أكتوبر حتى 9 أكتوبر كان قد تحقق للجيش المصري كل ما أراد وخطط له بالفعل حيث تم تدمير خط بارليف أقوى مانع في التاريخ وتم عبور القوات وإحتلال ما يقرب من 12 إلى 15 كليومتر وإنشاء الكباري وإستقر وضع القوات المصرية عند هذا الحد وأمكنها صد وتحطيم جميع الهجمات المضادة التي قام بها العدو ، بل وكان وضع الدفاعات المصرية في وضع جيد لا يسمح لقوات العدو بإختراقها ولكن بعد هذا التاريخ حدث خلاف شديد وتباين في وجهة النظر بين طاقم قيادة القوات المسلحة المصرية نوضحه فيما يلي :
أ-يتكون طاقم القيادة من رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة الرئيس الراحل محمد أنور السادات و المشير أحمد إسماعيل على وزير الحربية والقائد العام للجيش المصري والفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان القوات المسلحة المصرية هذه الثلاث شخصيات هي الشخصيات الهامة في قيادة الجيش نضيف إليها شخصية ثالثة وهو اللواء محمد عبد الغني الجمسي رئيس هيئة العمليات للقوات المسلحة ونائب رئيس الأركان وهذه الشخصية أضيفت إلى الشخصيات الأولى - بدون باقي فريق العمليات - لأنه كان نائب رئيس الأركان ورئيس العمليات والذي يكون لديه خرائط المعركة بتفاصيلها وكان رئيس الوفد المصري في مفاوضات الكليو 101 ومباحثات الفصل بين القوات .
ب-كان الفريق سعد الدين الشاذلي - وهو المخطط الحقيقي لحرب أكتوبر 1973 كما سنرى فيما بعد- يرى أن خطة الحرب يجب أن تتوقف بعد إجتياح خط بارليف وتدمير نقطه الحصينة وإقامة المعابر ورؤوس الكباري وإبقاء قواتنا في ظل مظلة قوية من صواريخ الدفاع الجوي والمجال الجوي للطيران المصري حيث أن الطائرات الحربية المصرية تقلع من مطارات خلف القناة وكذلك صواريخ الدفاع الجوي موجودة على قواعد خرسانية خلف القناة والمدى المؤثر للطيران والصوايخ هو على أقصى تقدير 15كليو متر ولهذا يجب أن تتوقف القوات عند هذا الحد حتى لا تكون غنيمة سهلة للكيران الإسرائيلي
ج-كان الفريق أحمد إسماعيل على -القائد العام للقوات المسلحة والذي تم ترقيته لرتبة المشير بعد الحرب-ومن خلفة الرئيس أنور السادات يرى وجوب التوقف وقفة تعبوية لتجميع القوات وتطوير الهجوم
د-يرى اللواء محمد عبد الغني الجمسي أنه كان يجب إستغلال عنصر المفاجأة وإستثمار ما تم تحقيقه من نصر والإستمرار في إجتياح قوات العدو حتى الوصول لخط المضايق دون الحاجة إلى وقفة تعبوية وكذلك لأن الخطة الأصلية لحرب أكتوبر - الخطة بدر - لم تنص على التوقف وقفة تعبوية
هـ -إذا أخذنا في الإعتبار ما جاء في مذكرات اللواء محمد عبد الغني الجمسي من أن السادات في خطابه لهنري كيسنجر وزير الأمن القومي الأمريكي صرح له بأن القوات المصرية لا تنوي الإستمرار في العمليات العسكرية ضد القوات الإسرائلية وصولا لخط المضايق
و - نرى بذلك موقفاً مضطرباً لكل من وزير الحربية ورئيس الجمهورية حيث أن رئيس الجمهورية - كما يرى الجمسى - رأيه هو الوقفة التعبوية رجوعاً لما جاء في خطابه لهنري كيسنجر وهو بذلك يخالف ما نصت علية الخطة بدر كذلك موقف وزير الحربية أحمد إسماعيل على عندما طلب من الفريق الشاذلي يوم 10 أكتوبر تطوير الهجوم لخط المضايق فرفض الشاذلي تطوير الهجوم لأن ذلك يعني القضاء على القوات المصرية المهاجمة لخروجها خارج نطاق حماية الطيران المصري ووقوعها تحت وطأة الطيران الإسرائيلي وطلب منه إستدعاء قادة الجيش الثاني والثالث الميداني الفريق سعد مأمون قائد الجيش الثاني والفريق محمد عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث لأخذ رأيهم في موضوع التطوير فهم من سيقوم بالأمر وكان من نتيجة المناقشة تأخير تطوير الهجوم حتى الساعات الأولى من صباح يوم 14 أكتوبر مما يعني أن وزير الحربية لم يكن له رأي واضح حيث ان رأيه الأولى كان تطوير الهجوم ثم بعد ذلك كان تأخير التطوير ليوم 14 أكتوبر والسؤال هنا هل كان هذا التأخير يرجع لقرار رئيس الجمهورية أم لضغط قادة الجيوش ؟؟؟ الأغلب أنه لرأي رئيس الجمهورية لأن رأي قادة الجيوش كان عدم التطوير
ثانيا الفترة من 14 أكتوبر حتى 16 أكتوبر وحدوث الثغرة :
خلال هذه الفترة تمت عملية تطوير الهجوم المصري تجاه خط المضايق أو الممرات - ممر متلا ومر الجدي وممر الختمية - وهذه الممرات هي طرق جبلية تبتعد عن القناة حوالي 40 كليومتر إلا أنها عسكرياً تعتبر الممر الرئيسي لسيناء ومفاتيح المرور فيها ، تمت خلال هذه الفترة عملية تطوير الهجوم مما كان يعني خروج القوات المصرية خارج مظلة الطيران المصري وصواريخ الدفاع الجوي ووقوعها تحت وطأة الطيران الإسرائيلي وحدث ما توقعه الفريق سعد الدين الشاذلي وخسرت القوات المسلحة المصرية حوالي 250 دبابة من جراء القصف الجوي الإسرائيلي وإرتدت القوات المصرية لرؤوس الكباري مرة أخرى مما يعني فشل عملية تطوير الهجوم المصري وكانت هي المفتاح الرئيسي لعملية الثغرة
ثالثا : الفترة من 16 أكتوبر حتى 28 أكتوبر :
نشير هنا إلى عملية الثغرة فقط وسنتناولها في المقال القادم بالتحليل الدقيق منفردة وما يعنينا في هذا المقال هو عملية تطوير الهجوم وكونها هي المفتاح الرئيس لعملية الثغرة ، كانت الثغرة تعرف عند القادة العسكريين الأسرائيلين بإسم " عملية الغزالة أو القلب الشجاع " أما إسم الثغرة فهو إسم أطلقته عليها القوات المصرية بإعتبار ما قد كان ، وقد جاء في حيثيات القرار الخاص بتطوير الهجوم المصري على لسان الرئيس أنور السادات أن تطوير الهجوم من أجل تخفيف الضغط عن الجبهة السورية وهذا الكلام فيه قدر كبير من عدم الواقعية ، فكما جاء في كتاب الجمسي أن الإتفاق المصري السوري كان يقتضي إستمرار القتال وصولاً إلى خط المضايق حسب الخطة الأصلية وحينما إتخذت القوات المصرية الوقفة التعبوية حول الجانب الإسرائيلي جزءاً من قواته إلى الجانب السوري مما مكن القوات الإسرائيلية من إيقاع خسائر شديدة في الجانب السوري وحتى أن الطيران الإسرائيلي قصف دمشق نفسها والسؤال هلى إستغل هنري كيسنجر المعلومة التي وصلته من السادات بعدم تطوير الهجوم لخط المضايق وأرسلها لإسرائيل مما كان يعني بالنسبة لها التفرغ للجبهة السورية ؟؟ هل كان الموضوع عفوياً أم كان بإتفاق ؟؟ وهذه النقطة نقطة خلاف كبيرة بين الجانب المصري والسوري حول توقف الهجوم المصري دون التنسيق مع الجانب السوري حيث يرى الجانب السوري فيها نوع من الخيانة ، لجأ الجيش المصري لتطوير الهجوم تخفيفاً للضغط عن الجانب السوري مما يعني تصحيح خطأ بخطأ
من ثنايا ما تقدم نستخلص الدروس التالية عن عملية تطوير الهجوم المصري إلى خط المضايق :
1-من الناحية العسكرية كانت العملية فاشلة وكبدت القوات المصرية أكبر الخسائر خلال هذه المدة
2-وضح من ثنايا هذا التحليل الفروق الشديدة بين القيادة العسكرية والقيادة السياسية من جهة والفروق الشديدة بين القادة العسكريين أنفسهم من جهة أخرى ثم الفروق بين القيادة العسكرية السياسية والجندي المقاتل من جهة ثالثة نوضح ذلك فيما يلي :
أ-الفرق بين القيادة العسكرية والقيادة السياسية من جهة :
حيث يتضح من ثنايا مذكرات الفريق سعد الدين الشاذلي واللواء محمد عبد الغني الجمسي والفريق عبد المنعم واصل واللواء محمد عبد الحليم أبو غزالة أن الهدف الرئيسي لحرب أكتوبر 1973 م كان تحرير سيناء كاملة وهو ما كان يتم التدريب عليه ووضع الخطط من أجله أما القيادة السياسية - الرئيس أنور السادات -فقد كان متأثراً بمقولة هنري كيسنجر له من أننا مهزومون - بعد حرب 1967 - ويجب أن نرضخ لشروط الإسرائيلين لأنهم منتصرون ، فكان السادات يرى خلق وضع من خلاله يتم تحسين الموقف المصري في مفاوضات عملية السلام وهذا ما عبر عنه أحد المحللين العسكريين من أن حرب أكتوبر - في رأي السادات - كانت " حرب تحريك ولم تكن حرب تحرير " أي حرب تحريك للموقف في المفاوضات
ب-الفروق بين القادة العسكريين أنفسهم :
تولى الفريق سعد الدين الشاذلي رئاسة أركان حرب القوات المسلحة في أغسطس 1971 وهو رجل مظلي قوي محارب وهو مؤسس سلاح المظلات المصري وخاض جميع الحروب المصرية مع العدو الإسرائيلي ومن حيث العلم العسكري هو أكثر أفراد فريق حرب أكتوبر علماً من الناحية العسكرية حيث حصل على فرق تدربية في الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفيتي وكذلك قام بزيارات لكل من كوريا والإتحاد السوفيتي ، أما المشير أحمد إسماعيل على كان قد أحيل للإحتياط بعد نكسة 1967 بقرار من الرئيس عبد الناصر ثم أعاده السادات لسلاح المخابرات ثم ولاه وزير الحربية عام 1973 ، وكما يعبر عنه الفريق سعد الدين الشاذلي أنه كان شخصاً مريضاً بمرض سرطان الرئة مما يعني أنه طبقاً للعسكرية أنه غير لائق طبياً كما أنه شخص من الناحية الشخصية شديد التردد وكان هذا هو رأي اللواء محمد عبد الغني الجمسي أيضا ، فكان ينظر إلى السادات أنه ولي نعمته لأنه أعاده للخدمة مرة أخرى وكذلك غير خاف عن الجميع الخلاف الشديد الذي كان بينه وبين الفريق سعد الدين الشاذلي من أيام رحلة الكونغو في الخمسنات من القرن الماضي ، أما عن الرئيس السادات فلم يكن يملك من العلم العسكري أي شيئ وكما يقول الشاذلي أنه لم يمارس العسكرية إلا ثلاث سنوات خدم خلالها في سلاح الإشارة أي أن مدة خدمة القائد الأعلى للقوات المسلحة في القوات المسلحة هي 3 سنوات فقط هذا الفرق وضح جلياً في الخلاف حول تطوير الهجوم المصري لخط المضايق كما سبق وأن تم إيضاحه وكما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إرحموا ثلاثاً : عالماً بين جهلاء ، وغنياً إفتقر ، وعزيز قوم ذل " صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكما يقول على رضي الله عنه " شر الأزمنة أن يتبجح الجاهل ويسكت العاقل لكن القبة الجوفاء لا ترجع غير الصدى " بإختصار شديد كان هذا هو موقف الفريق سعد الدين الشاذلي في فريق إدارة الحرب ، أما عن باقي القيادات فكل قائد سلاح كان يعنيه سلاحه وقد أدار كل قائد سلاحه بكفاءة كما شهدت بذلك مذكرات الحرب
ج -الفرق بين القيادة العسكرية متمثلة في القائد الأعلى للقوات المسلحة والجندي :
جاء في كتاب هموم داعية للشيخ محمد الغزالي أن أحد أسباب تدهور الوضع في حرب أكتوبر هو أن القيادة لم تكن على مستوى الجندي حيث أن الجندي كان يحارب من منظور الجهاد في سبيل الله ويتمنى الموت والشهادة أما القيادة العليا كانت تخوض المعركة من أجل أهداف سياسية أخرى ودلل على ذلك بأن الشيوخ كانوا يزورون الجبهة من أجل حض الجنود على القتال والشهادة ، فكان الجندي يجاهد بينما القيادة العليا تفاوض وتناور
2-الأهداف المعلنة والغير معلنة :
جاء ذكرها في كتاب الجمسي من حيث أن السادات كان له هدف هو التوقف في الوقفة التعبوية دون أن يخبر القيادة السورية - شركاؤه في المعركة -ودون أن يصرح بذلك لقادته العسكريين ، كما أن وقف إطلاق النار الأخير لم يخبر به القادة العسكريين وإنما هو قرار إتخذه بمفرده كما جاء في مذكرات الشاذلي والجمسي
3-مهارة التوظيف :
أدار السادات هذه المهارة ببرجماتية مطلقة حيث وظف الفريق سعد الدين الشاذلي كرئيس أركان وكان وقتها برتبة لواء متخطياً أربعين لواءاً كانوا أقدم منه وذلك لكفاءته وإحترافيته العسكرية إستفادة منه ، ثم جاء بأحمد إسماعيل على كما قلنا من الإحتياط إلى سلاح المخابرات ثم إلى قيادة القوات المسلحة فكان أحمد إسماعيل لا يخالف له رأياً مع أن تنفيذ الخطة العسكرية مسؤولية قائد الجيش وليس رئيس الدولة ومن زاوية أخرى إستثمر العلاقة السيئة التي بينه وبين سعد الدين الشاذلي ليسطر على سعد الدين الشاذلي ويقيد من سلطاته في القوات المسلحة بقائده الأعلى وهما كالنقيضين تماماً ووضح هذا في موقفين هامين من مواقف حرب أكتوبر هما تطوير الهجوم والثغرة ، كما أن فريق العمليات كله تم إحتواؤه عن طريق الإنعام بالمناصب والتخلص من بعضهم بالقتل وإحالة بعضهم إلى وزارة الخارجية - سعد الدين الشاذلي - مما يشبه نظرية الركل لأعلى
4-التخطيط الجيد والحرفية العسكرية :
هذا الدرس من دروس الحرب كلها وليس مرحلة تطوير الهجوم فقط ، فقد كان المخطط الرئيسي لحرب أكتوبر - الفريق سعد الدين الشاذلي - قد وضع خطته والتى تعرف بـ " المآذن العالية " على أسس معينة هي :
أ -حرمان العدو من إستغلال تميزه في سلاح الطيران والتفوق التاريخي له فيه ، حيث قامت طائرات العدو بتدمير سلاح الطيران المصري في حرب 1967 على الأرض قبل أن يقلع الطيران المصري وخرج بذلك مبكراً من المعركة .
ب - حرمان العدو من قدرته على مهاجمة أجناب القوات ومحاولة تطويقها .
ج - إستغلال الإقتصاد الإسرائيلي ومحاولة إطالة أمد المعركة مما يكلف إسرائيل خسائر مادية وبشرية كبيرة ، والنقطة الأهم هي الخسائر البشرية حيث أن قوات الإحتياط هي من الشعب العامل مما يعني الضغط بشدة على الإقتصاد الإسرائيلي ودفعه تجاه الإنهيار تلقائياً أو على حد تعبير الفريق سعد الدين الشاذلي " سقوطه كالثمرة العفنة " وأيضاً حرمان الجيش الإسرائيلي من نظرية الحرب الخاطفة السريعة حيث أن كل الحروب السابقة كانت حروب سريعة وليست طويلة مثل 1967 وهي ما تعرف بحرب الساعات الست وكذلك حرب 1956 وكذلك حرب 1948 جميعها حروب قصيرة الأمد ، حيث كانت هذه الخطة - المآذن العالية - تقضي ببناء رؤوس الكباري وإحتلال 15 كليومتر من سيناء والبقاء في أوضاع يمكن من خلالها شن حرب إستنزاف للعدو لتكبيده أقصى خسائر ممكنه ، فكان من جراء هذه الخطة النجاح الباهر في أولها حتى إذا خرج الجيش عنها وحدث تطوير الهجوم كانت الثغرة حصار وتطويق الجيش الثالث الميداني ، أما عن فكرة التطوير السريع للهجوم دون توقف التي طرحها اللواء الجمسي وإستغلال القتال المتلاحم وإشتباك القوات مما يحد من تأثير الطيران الإسرائيلي فهي مردود عليها أيضا حيث أن جندي المشاة لا يمكنه إحتلال الأرض دون غطاء جوي فبإفتراض أن القوات المصرية نجحت في إحتلال خط المضايق دون غطاء جوي وحتى يتم نقل قوات الدفاع الجوي وتجهيز المطارات الداخلية في سيناء فهذا يعني وقوعها كفريسة سهلة ولقمة سائغة للطيران الإسرائيلي مما يعني أن خطة " المآذن العالية " كانت خطة حتمية التطبيق وفقاً للظروف و الإمكانيات العسكرية .
5 -التضليل الإعلامي وقلب الحقائق و إختلاق الأكاذيب :
لعب السادات خلال الحرب كلها دوراً إعلامياً مضللاً إلى حد بيعيد تمثل ذلك فيما يلي :
أ - نسب عملية التخطيط لحرب أكتوبر للمشير أحمد إسماعيل في حين أن المخطط الرئيس للحرب هو الفريق سعد الدين الشاذلي
ب -حسب ما جاء في مذكرات الشاذلي أن السادات بعدما دب الخلاف بينه وبين الشاذلي على أشده طلب من وسائل الإعلام محو صور الشاذلي من صور فريق إدار الحرب الشهير
ج - نفيه الكامل للثغرة وإستدعاؤه للمشير أحمد إسماعيل في مجلس الشعب وقيامه بإستجوابه حول الثغرة وعبور القوات الإسرائيلية للقناة وإحتلال مدينة السويس وهذا الموقف هو للإستعراض الإعلامي وليس من حق رئيس الجمهورية أن يجرى إستجواباً بنفسه فالإستجواب حق لأعضاء البرلمان وليس لرئيس الجمهورية
د - إدعاء السادات في كتاب البحث عن الذات أن سعد الدين الشاذلي عاد من الجبهة بعد إستطلاع الثغرة منهاراً مما دفعه لتنحيته عن رئاسة أركان حرب القوات المسلحة وهو ما نفاه الجمسي في مذكراته وما نفاه أيضاً الفريق سعد الدين الشاذلي حيث ظل يمارس عمله كرئيس لأركان حرب القوات المسلحة حتى ديسمبر 1973 كما جاء في مذكراته وأحاديث
هـ - محاولته تبرير فشل تطوير الهجوم المصري نتيجة للتدخل الأمريكي المباشر في الحرب عن طريق الجسر الجوي وطائرات الإستطلاع الأمريكية وإستطلاعها للجبهة المصرية مرتين متتاليتين وإن صحت الأخيرة فالأولى ليست صحيحة حيث أثبت الفريق سعد الدين الشاذلي من أن الجسر الجوي السوفيتي أمد القوات المسلحة المصرية بالأسلحة والعتاد أكثر مما أمد الجسر الجوي الأمريكي القوات ، الإسرائيلية ، صحيح أن الإمداد الجوي الأمريكي كان أكفأ من حيث النوعية إلا أن كمية السلاح السوفيتي كان أكثر من الأمريكي
و - رفضه لخطة الشاذلي في القضاء على الثغرة وتعمد التشويه الإعلامي لها
ر - وضع السادات نفسه على رأس فريق العمليات في حين أنه لم يشترك لا في التخطيط ولا التحضير بل بالعكس ثبت من أن تطوير الهجوم كان بتدخل منه وأن تدخلاته كانت من الأسباب الرئيسية في تدهور الوضع
6- البعد الديني في المعركة :
جاء في كتاب اللواء محمد عبد الحليم أبو غزالة أن خطة حرب أكتوبر المشتركة بين القوات المصرية والسورية كان إسمها " بدر " وكذلك توقيت الهجوم وهو 10 رمضان يتوافق - حسب رأيه - مع توقيت غزوة بدر أيضاً جاء على لسان الشاذلي أنه هو اول من نبه إلى نداء " الله أكبر " الشهير في المعركة ووزع مجموعات بميكروفونات حتى إذا بدأ العبور تبدأ هذه المجموعات بالتكبير ويؤيد هذا أيضاً ما جاء في كتاب مذكرات داعية للشيخ محمد الغزالي عن حرب أكتوبر
في الحلقة القادمة :
معركة الغزالة أو القلب الشجاع أو ما يعرف بالدفرسوار أو الثغرة
مراجع الموضوغ :
1-مذكرات حرب أكتوبر للفريق سعد الدين الشاذلي
2-مذكرات حرب أكتوبر للواء محمد عبد الغني الجمسي
3-وإنطلقت المدافع عند الظهر للواء محمد عبد الحليم أبو غزالة قائد المدفعية في حرب أكتوبر
4-قصة حياتي " موشي ديان " وزير الدفاع الإسرائيلي
5- إعترافات جولدا مائير رئيسة الوزراء الإسرائيلية أثناء حرب أكتوبر
6-مذكرات أيلي زعيرا رئيس المخابرات الإسرائيلية أثناء حرب أكتبر
7- تحت القراءة الصراع العربي الإسرائيلي للفريق عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث الميداني
8- مذاكرات هنري كيسنجر

Wednesday, February 24, 2010

الصبر ... الرضا ... الأجل

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا الدرس الذي أضعه بين أيديكم هو درس هام من دروس مدرسة الدهر وليس من بطون الكتب ، فالصبر والرضا والأجل هم مفاتيح النجاة من أزمة ، فبالصبر والرضا يقطع المبتلى حياته في عبادة متواصلة مع المولى جل وعلا ثم يأتي الأجل ليقطع رحلة البلاء والشقاء التي يعيشها المبتلى ، هذا الدرس هو من ثنايا الحس والمشاهدة وكما قالوا " ليس المعاين كالمخبر " وأقول لكم أن من قطع عمره في دراسة كتب الزهد والرقائق بدءاً من إحياء علوم الدين وإنتهاءاً بالرقائق للراشد لن يحصل ما يحصله من مشاهدة كلام هذه السيدة يرحمها الله ، وقديما قال التابعي عبد الله بن عكيم رضي الله عنه لتلاميذه " أحدثكم بما رأيت أم بما قرأت ؟؟؟ قالوا بل حدثنا بما رأيت ، قال : رأيت عبد الملك بن مروان توفى وترك لأولاده الضياع والأموال ورأيت الولد منهم يتكفف الناس ، ورأيت عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه توفى ولم يترك لأولاده شيئاً ورأيت الولد منهم ينفق على الجيش بأكمله ، فموضوع اليوم هو من قبيل الحديث بما رأيت لا بما قرأت ، أسوق لسيادتكم هذه الدروس لعل الله تعالى ينفعنا بها جميعا وينقفذنا من براثن أنفسنا أولاً ثم من براثن الدنيا فالخطر الداهم أولا يأتي من النفس :
1- معنى الغنى معنى قلبي وليس عن كثرة العرض كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم " ليس الغنى عن كثرة العرض وإنما الغنى غنى النفس " صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فلو حذت الدنيا كلها ولم تقنع نفسك فأنت أفقر من أي فقير ، هذه السيدة بإلحاح من محاورها أخبرته بمرضها ثم أبت عليه أن تطلب منه شيئا ً وهي لم تتعلم ما تعلمناه ولم تفقه ما فقهناه
2- معنى الصبر هو الصبر الذي لا شكوى معه ، هو الصبر عن طيب نفس ، هو الرضا واللجوء الكامل إلى الله تعالى هذا ما لمسته من حديث هذه السيدة يرحمها الله ، فأحسب أن حديثها من باب حديث القلوب لا من حديث الألسن
3-هذه الحادثة جديرة أن توضع تحت المجهر للتحليل والتدقيق وإستخراج العبر والعظات فدروس الدهر أولى بالوقوف عندها وكما يقول الشافعي رضي الله عنه " كلما أدبني الدهر أراني نقصاً في عقلي وكلما إزددت علماً إزددت يقيناً بجهلي " وأنا أدعوك إلى مراجعة نفسك مراجعة شديد بعد مشاهدة هذا الفيديو وإذا لم تدمع عينيك فاعلم أن فيك خلل كبير وبقلبك قسوة فرغ نفسك لعلاجها ، فمشاهدة أهل البلاء وعيادة المرضى وزيارة الموتى وإتباع الجنائز كلها من مرققات القلوب كما في كلام عائشة رضي الله عنها
4-يأتي الحديث عن الأجل وكما كان علي رضي الله عنه يقول " نعم الحارس الأجل " وكان أبو الدراء يقول " أحب للمؤمن الفقر والمرض والموت " وهذه الثلاثة تمثلت في هذه السيدة - يرحمها الله - ثم جاء الأجل لينهي معاناتها ، وبنهاية الأجل تنتهي رحلة الحياة ويجتمع الجميع عند الله المنعم والمبتلى ولكن شتان بينهما في الأجر والدرجات ، وكان أحد الناس يسير مع بشر بن الحارث الحافي فقال له " يا بشر عشطان ، فقال له نشرب من البئر القادمة ححتى إذا جاءت البئر القادمة قال له يا بشر عطشان ، فقال له نشرب من البئر القادمة ، حتى أنقضت الرحلة ولم يشرب ثم قال له هكذا تنقضي الحياة ، وعرف أحمد بن حنبل رضي الله عنه الزهد فقال " هو طعام دون طعام ولباس دون لباس وإنما هي أيام قلائل ولا تنظر إلى أحوال المترفين وتلمح عواقبهم ، وعلل الناقة بالحدو تسر " والشاهد من كلامه رضي الله عنه هو قوله وإنما هي أيام قلائل
5-أخيراً بحديثها تذكرت عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه حين قالت فاطمة زوجه " دخلت يوما ً على عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وهو واضعاً يده على خده في مصلاه ودموعه تسيل على خديه فقالت ما يبكيك يا عمر ؟ فقال لها " ويحيك يا فاطمة لقد وليت من أمر هذه الأمة ما وليت ، فتفكرت في الجائع الفقير ، والمريض الضائع ، والعاري المجهود ، واليتيم المكسور ، والأرملة والوحيد والمظلوم المقهور ، والغريب والأسير والشيخ الكبير ، وذي العيال الكثير والمال القليل ، وأشباههم في أقطار الأرض وأطراف البلاد ، فعلمت أن ربي سيسألني عنهم يوم القيامة ، وأن خصمي دونهم محمد صلى الله عليه وسلم ، فخشيت أن لا يثبت لي حجة عند خصومته فرحمت نفسي فبكيت
أتركك حضراتكم مع الفيديو وهو موجود على شبكة الإنترنت ومحركات البحث ولا أنسبه لنفسي ولكن مثله لا يضيع دونما تعليق
رابط الموضوع في اليوتيوب بعنوان " لقاء مع أغنى إمرأة في مصر " .