Tuesday, May 5, 2009

السعادة .... بين الحقيقة والمفهوم


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أتذكرون تلك القصة ... قصة العصا والجزرة ...ركب الفلاح ظهر حماره ومعه عصاتان ، عصى يلهب بها ظهر حماره وعصى أخرى علق فيها جزرة ووضعها أمام رأس الحمار ، فكان الحمار كلما نظر إلى الجزرة أسرع طلبا وكلما تعب من تحصيل طلبه أسرع أيضا من جراء لهيب العصا الأخرى ، هذه القصة هي قصتنا نحن .... فالجزرة هي الأمل والأماني والعصا هي الكد والجهد والتهب وذلك الظهر هو البدن والراكب فوق الحمار هو العقل ، هذه الجزرة التي لا تدرك أبدا هي الأماني والسعادة والراحة والفرح والسرور الذي يطمع الإنسان بتحقيقه دوما ، كسراب الصحراء تلهث وراءه حتى إذا جئت لموقع عينك تباعد هذا الماء حتى صار في مرمى البصر وهكذا ... أجريت إستقصاء- في منتدى من المنتديات ومع مجموعة من الزملا ء - حول هذه القضية فكانت النتيجة مفاجأة :

أولا : لا أحد يملك تعريفا محددا للسعادة

ثانيا :المفاجأة الأخرى والأعجب هو أنني عندما سألت هل أنت سعيد أم لا ؟ كانت الإجابة بنسبة 100% كلهم سعداء فعجبت كيف يكون القوم لا يملكون تعريفا دقيقا للسعادة مع ذلك هم سعداء

ثالثا : بنسبة 100% أيضا كلهم علق تحقيق السعادة بآمال لم تتحقق بعد أو وضع لها شروطا عندما تحدث سوف يكون سعيدا مما يعني أنه ليس سعيد ، فكيف أجاب هؤلاء أنهم سعداء

رابعا : من نتيجة هذا الإستقصاء تبين أننا نتكلم عن معنى غير مدرك أو حسب تعبير أحد المشاركات في الإستقصاء أنه تعبير ميتافيزيقي ( غيبي أو فيما وراء الطبيعة )

غير أنني أستطيع بعد بحث وتقصي أن أسوق تعريفا للسعادة وأنها " حالة من السلام النفسي والطمأنينة والسكينة يعيشها الإنسان مع نفسة ومع من حوله " سلام نفسي يتقبل الإنسان فيه نفسه ويتقبل من حوله ويقنع بما أعطاه الله له فتسكن نفسه ويطمئن قلبه ، ولك أن تتصور ما أصعبها من حياة عندما يعيش الإنسان رهين محبسين ، المحبس الأول هو ذكرياته الماضية وأحداثها المؤلمة فيبكي عليها وعمره القادم يحمل هم ما ستكون عليه الأيام التوالي ، فتضيف الأيام إلى الذكريات ما يستدعي البكاء عليه ولا يزال الهم على القادم موجودا فيقضي الإنسان سحابة عمره في كآبة حتى يموت والسؤال هنا :

هل خلقك الله لتعيش تلك الحياة الكئيبة ؟؟

الإجابة طبعا لا

يقول الشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله " إن الحياة ليست رحلة من شقاء في نهايتها حكم بالإعدام " طبعا ليست هكذا

إن الله تعالى جعل الحياة فرصة كي نحياها ونقضيها في طاعته تبارك وتعالى لا أن نعيش بين هم وحزن كما جاء في حديثه صلى الله عليه وسلم " اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر والرجال " يقول بن القيم رضي الله عنه الهم يكون على المستقبل والحزن يكون على مافات ، ولقد فكرت مليا في الحكم الشرعي فيمن إستبد به اليأس فقتل نفسه وكيف أنه خالد في النار وكيف أن بعض الفقهاء حكم بكفره فوجدت أنه حكم ما أعدله كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " .... يبعث يوم القيامة مكتوب على جبينه آيس من رحمة رحمة الله " ذلك لأنه لم يتذكر أن الأمور تجري بمقادير الله وأن الله لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء فترك نفسه للقلق يستبد بها حتى شط عقله فهلك ، ثم ماذا بعد أن تحزن على مافات وتحمل هم ما هو آت هل في نفع لما أنت فيه ؟؟؟ الإجابة طبعا لا

جاء في تفسير قول الله تبارك وتعالى في سورة النحل الآية : 97 {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} في تفسير مفاتح الغيب لفخر الدين الرازي رضي الله عنه :

واعلم أن عيش المؤمن في الدنيا أطيب من عيش الكافر لوجوه: الأول: أنه لما عرف أن رزقه إنما حصل بتدبير الله تعالى، وعرف أنه تعالى محسن كريم لا يفعل إلا الصواب كان راضيابكل ما قضاه وقدره، وعلم أن مصلحته في ذلك، أما الجاهل فلا يعرف هذه الأصول فكان أبدا في الحزن والشقاء.وثانيها: أن المؤمن أبدا يستحضر في عقله أنواع المصائب والمحن ويقدر وقوعها وعلى تقدير وقوعها يرضى بها، لأن الرضا بقضاء الله تعالى واجب، فعند وقوعها لا يستعظمها بخلاف الجاهل فإنه يكون غافلا عن تلك المعارف، فعند وقوع المصائب يعظم تأثيرها في قلبه.وثالثها: أن قلب المؤمن منشرح بنور معرفة الله تعالى، والقلب إذا كان مملوءا من هذه المعارف لم يتسع للأحزان الواقعة بسبب أحوال الدنيا، أما قلب الجاهل فإنه خال عن معرفة الله تعالى فلا جرم يصير مملوءا من الأحزان الواقعة بسبب مصائب الدنيا.ورابعها: أن المؤمن عارف بأن خيرات الحياة الجسمانية خسيسة فلا يعظم فرحه بوجدانها وغمه بفقدانها، أما الجاهل فإنه لا يعرف سعادة أخرى تغايرها فلا جرم يعظم فرحه بوجدانها وغمه بفقدانها.وخامسها: أن المؤمن يعلم أن خيرات الدنيا واجبة التغير سريعة التقلب فلولا تغيرها وانقلابها لم تصل من غيره إليه.واعلم أن ما كان واجب التغير فإنه عند وصوله إليه لا تنقلب حقيقته ولا تتبدل ماهيته، فعند وصوله إليه يكون أيضا واجب التغير، فعند ذلك لا يطبع العاقل قلبه عليه ولا يقيم له في قلبه وزنا بخلاف الجاهل فإنه يكون غافلا عن هذه المعارف فيطبع قلبه عليها ويعانقها معانقة العاشق لمعشوقه فعند فوته وزواله يحترق قلبه ويعظم البلاء عنده، فهذه وجوه كافية في بيان أن عيش المؤمن العارف أطيب من عيش الكافر هذا كله إذا فسرنا الحياة الطيبة بأنها في الدنيا.والقول الثاني: وهو قول السدي إن هذه الحياة الطيبة إنما تحصل في القبر.
ثانيا : مفاتيح السعادة :

1-الرضا والقناعة :

وهذه أعظم العطايا وأجل النعم ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم " ارض بما قسمه الله لك تكن أغنى الناس " صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه " القناعة كنز لا ينبو " أي لا يفنى وأوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا ذر الغفاري رضي الله عنه فقال " أنظر إلى من هو تحتك ولا تنظر إلى من هو فوقك لإنه أجدر ألا تزدري نعمة الله عندك " صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فعن معقل بن يسار -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله --: (يَقُولُ رَبُّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ، تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلأْ قَلْبَكَ غِنًى، وَأَمْلأْ يَدَيْكَ رِزْقًا، ابْنَ آدَمَ لا تَبَاعَدْ عَنِّي فَأَمْلأْ قَلْبَكَ فَقْرًا، وَأَمْلأْ يَدَيْكَ شُغْلا) رواه الحاكم والطبراني، وصححه الألباني. وما أصدق وأروع الحديث النبوي "من أصبح آمنا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها" (رواه البخاري في الأدب المفرد والترمذي وقال: حسن غريب، وابن ماجة). أنظر لكم هي بسيطة وسهلة هذه الدنيا التي نكد ونتعب في تحصيلها بل ونتقطع حسرات عليها .... عنده قوت يومه ومعاف في بدنه آمنا في سربه أي في أهله فقد حيزت له الدنيا بحذافيرها أتدرون لماذا ؟؟؟؟ لأنه لا يناله من الدنيا إلا هذه الأشياء وما زاد عنها يتركه وينصرف ... ما بالنا ننشغل بالمفقود ونغفل عن الموجود ؟؟؟

2-السيطرة على الذات :

ما هي نظرتك لإنسان تتحكم فيه شهواته وعواطفه ؟؟؟ ما هي نظرتك لإنسان كل همه من الدنيا أن يأكل ويشرب ويتزوج ويتأنق في هذه الأشياء فقط ؟؟؟ بالتأكيد ستنظر إليه على أنه إنسان خاوي الوفاض بل إن قيمة الإنسان الحقيقة تكمن في التحكم في هذه الأشياء لا أن تتحكم هي فيه ، ولقد تدبرت طويلا العبرة من العبادات الإسلامية السهل منها والصعب والعبرة منها ؟؟ ثم ما هي الحكمة من عبادة كعبادة الصوم تكسر شوكة النفس وتلزمها الرغام ؟؟؟ بالتأكيد العبرة من هذه العبادات والهدف منها هي رياضة النفس ( الرياضة من الترويض ) حتى يسلس لك قيادتها وطبعا قبلها إلتزام طاعة الله تبارك وتعالى إذا ففي إلتزامك بالعبادات قيادة لنفسك وجعلها تحت تحكمك ، قال بعض العلماء: "أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك ويقولون أيضا " القيادة طريقة متكاملة في الحياة تبدأ بالسيادة على النفس والتحكم في العواطف والحالة الذهنية "
3- السيطرة على المشاعر والعواطف :
فهذه النقطة أيضا وإن كانت من الممكن أن تندرج تحت النقطة السابقة إلا أنني رأيت أهمية فصلها لتبان خطورتها وأحقيتها بالإبراز ، فالحب والكره والرضا و الغضب هذه الأشياء كفيلة بأن تخرج الإنسان عن الحق وتجره إلى الباطل أيضا فالإنسان إذا أحب شيئا تعذب من أجله وإذا أبعض شيئا تعذب منه وهكذا و لأهمية هذا الأمر يبن لنا الله تبارك وتعالى أن الحكم المبني على هذا الأمر هو حكم في الغالب مجانب للصواب ، يقول تعالى: (كتب عليكم القتال، وهو كره لكم، وعسى ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى ان تحبوا شيئا وهو شر لكم، والله يعلم وانتم لا تعلمون) .. فالقتال تكرهه النفس إلا أن الخير فيه والراحة تحبها النفس إلا أن الشر فيها وهذا دليل على خطأ الحكم المتكون بناءا على العاطفة ، ولقد عجبت كل العجب لماذا لا يحكم القاضي وهو غضبان؟؟؟ ، وأيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا طلاق مع إغلاق " والإغلاق هو شدة الغضب ، فكمال شخصية الإنسان يرجع إلى تحكمه في عواطفه وشدة تقييدها فقد كان من أوصافه صلى الله عليه وسلم وهو أكمل الناس خلقا وخلقا " كان حلمه يسبق جهل الجاهل " وأيضا " كان لا يزيده جهل الجاهل إلا حلما ، يقول ألبرت أينشتاين صاحب النظرية النسبية - وإستدلالنا بقوله من باب أن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى الناس بها - " تقدر القيمة الحقيقية للإنسان بدرجة تحكمه في ذاته " فمن المعلوم عند العقلاء أن الإنسان الذي تذهب به موجات الغضب والرضا كل مذهب إنسان هوائي لا قيمة له يرضى ويسخط لأقل الأسباب ولذلك كان من دعاء محمد صلى الله عليه وسلم " أسألك القصد في الفقر والغنى وكلمة الحق في الغضب والرضا " يقول بن القيم تعليقا على هذا الدعاء " فمن العباد من يخرجه غضبه عن قول الحق " يقول الله تعالى في سورة المائدة " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون " المائدة الآية رقم 8 ، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نعمة الولد " الولد مبخلة مجبنة محزنة " فإذا مرض حزنت وإذا مات حزنت وأنت دائما في هم من أجله ، لذلك فحريتك من عواطفك وأهوائك دليل على كمال شخصيتك وكمال حريتك ومن ثم كمال سعادتك ، وما أكثر ما تواترت به النصوص والأحاديث في ذم إتباع الهوى وذلك لخطورته على الشخصية وتركيبها وعلى النفس وبنائها بل وعلى المجتمع كله ، وما سمي الهوى هوى إلا لأنه هوى بصاحبه ، أستطيع أن أقول لك أن تحكمك في عواطفك سر سعادتك في الدنيا والآخرة ، قد يرد قائل بأن هذا أمر من الصعب فأجيبه من السنة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما ، وأبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما " صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن لم يستطع أن يتحكم في مشاعرة فليقتصد فيها وكم شهدت التجربة بصدمات للناس في أناس أحبوهم يقول الأمير بن صمادح :
وزهدني في الناس معرفتي بهم وطول إختباري صاحبا بعد صاحب

فلم ترني الأيام خلا يسرني
بوادية إلا ساءني في العواقيب
ولا صرت أرجوه لدفع ملمة
من الدهر إلا كان إحدى النوائب
فليس معي إلا كتاب صحبته
يؤانسني في شرقها والمغارب

4-لا تشغل ذهنك بما حولك :
يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه " رضى الناس غاية لا تنال " ويقول السلف " من راقب الناس مات كمدا " فلا تتطلع إلى رضى الناس فلن تستطيع أن تجمع رضاهم ومن راقب رضى الناس جاءت تصرفاته كردود أفعال فظهر بمظهر المتردد الذي لا حقيقة له بل قد يدفعك رضا الناس إلى سخط الله والعياذ بالله ، فمن الناس من يستولي عليه الهم والحزن لأقل نقد يتعرض له وهذا طبعا خطأ يقول العقاد " الإنسان الذي يخشي النقد شخص قليل العظائم " يقول الحكماء" إذا أردت أن تتجنب النقد فلا تقل شيئا ولا تفعل شيئا ولا تكن شيئا " ، فقط يكفيك ان تحتكم في صحة هدفك للكتاب والسنة وهما لا تلتبس بهما الأهواء وحدد هدفك و سرعلى بركة الله وتذكر قول الغزالي " أنت نسيج وحدك " وكمن من عظيم أبصر أمرا وعده الناس مجنونا وحتى إذا حصله أدركوا أنه كان محقا وكانوا هم مخطئون ، ثق في رأيك وتفكيرك وعقلك يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه "رأينا صواب يحتمل الخطأ ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب "
5- الغنى عن الناس :

عجبت لدعاء محمد صلى الله عليه وسلم " وأسألك الغنى عن الناس " ويقول النبى صلى الله عليه وسلم موصيا أحد صحابته رضي الله عنهم " إزهد فيما عند الناس يحبك الناس " فقد جبل الناس على حب من يزهد فيما في أيديهم وبغض من يتطلع إلى ما عندهم وهذا من أعظم أبواب تحصيل السعادة أن تؤدي النفع للناس وأنت غني عنهم دون إنتظار أجر ومثوبة إلا من الله تعالى ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " خير الناس أنفعهم للناس " وقال أيضا عندما سئل عن خير العمل فقال " سرور تدخله على قلب مسلم " يقول السلف " من إعتمد على الناس الناس مل ومن إعتمد على ماله قل ومن إعتمد على علمه ضل ومن إعتمد على عقله إختل ومن إعتمد على الله فلا قل ولا مل ولا ضل ولا ذل ولا إختل " ، ففي الأزمات والملمات لا تتعلق إلا بالله ولا ترجون إلا الله ، فبعض الناس عندما تنزل به نازلة يلجأ إلى الناس ويحزن عندما لا يغيثوه وتلك طبيعتهم ولو أنزل أمره بالله لوجده أقرب إليه من حبل الوريد قال صلى الله عليه وسلم (من نزلت به فاقةٌ فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل) [رواه الترمذي وصححه الألباني] .
6-التعامل مع الأزمات والملمات :

قد يقول قائل تدعونا إلى السيطرة على المشاعر والإقتصاد في الشعور فكيف نتعامل مع الأزمات والملمات فنقول نتعامل معها بالرضى بقضاء الله وقدره والتسليم لأمره فالله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب وتذكر قول الله تعالى " ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن برأها إن ذلك على الله يسير ، لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور " سورة الحديد الأيتين 22 ، 23 ، لا تجمع عليك شدتين شدة الأزمة وشدة شعورك بالحزن فمشاعرك وعواطفك هي أعدؤك وكلل كل ذلك بالرضا والصبر والشكر ، يقول الشاعر :

قل لمن يحمل هما
إن همك لا يدوم

مثلما تفنى السعادة
هكذا تفنى الهموم

ويقول الشاعر أيضا :

كن عن همومك معرضا
وكل الأمور إلى القضا

وانعم بطول سلامة
تسليك عما قد مضى

لفربما تسع المضيق
ولربما ضاق الفضا

ولرب أمر مسخط
لك في عواقبه رضا

الله يحكم ما يشاء
فلا تكن متعرضا

7- قصر الأمل أو حصار الأمل

بدنا هذه الكلمات بالكلام عن الأمل وكيف أنه سوط لاهب يلهب الظهر ويثقل الكاهل وما أروع ما وصف أحد الزهاد به الدنيا فقال " ترقب جميل لكنه يتنغص ، وظل ظليل لكنه يتقلص ، ومطامع وراء الأودية والمفاوز ، وما هو لما قدر له بمجاوز ، فأنغاسه قبل كل ذلك تعد ، ورحاله تشد ، وعريته ترد ، والتراب من بعد ذلك ينتظر الخد ، وما عقبى الباقي إلا اللحاق بالماضي ، وعلى أثر من سلف يمضي من خلف ، وما هو إلا أجل محدود وأمل مكذوب " عن عبد الله – رضي الله عنه – قال : (خط النبي صلى الله عليه وسلم خطا مربعا , وخط خطا في الوسط خارجا منه , وخط خُططا صغارا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط وقال : (هذا الإنسان وهذا أجله محيط به , أو قد أحاط به , وهذا الذي هو خارج أمله وهذه الخطط الصغار الأعراض , فإن أخطأه هذا , نهشه هذا , وإن أخطأه هذا نهشه هذا ) وفي رواية من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : خط النبي صلى الله عليه وسلم خطوطا فقال : ( هذا الإنسان وهذا أجله فبينما هو كذلك إذ جاءه الخط الأقرب ) ,

هذا هو ما رسم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما فهمت من الحديث

يقول الدكتور خالد المنيف ( كاتب سعودي ) في مقالة بعنوان صناعة السعادة عن هذا المعنى فسماه مهارة الاستمتاع باللحظة و فن تقدير الموجود يقول الشاعر الانكليزي جون ملتون صاحب ملحمة الفردوس المفقود :في وسع العقل أن يخلق وهو في مكانه....جحيما من الجنة أو نعيما من الجحيم ، يقول احد الفلاسفة من لم يسعد بما في يديه فلن يسعد بما سوف يأتيه في المستقبل ، والقاعدة تقول استخدم الشيء وإلا خسرته ،إستمتع بنعم الله عليك وما وضع بين يديك إنتهى . الحياة ما هي إلا مجموعة من التصورات وليس فيها حقيقة فهي إما أن تزول عنها أو تزول عنك ، وسعيك فيها هو تصوراتك فتصور نفسك ناجحا تكن بإذن الله ناجحا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " تفاءلوا بالخير تجدوه " صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم

في الخاتمة :

لست أزعم أني أول من كتب في هذا الموضوع ولست آخر من يكتب لكني أزعم أن ما جاء في هذا المقال ما هو إلا خبرتي في حياتي لذلك أسألك الله تعالى أن ينفع بها من قرأها

اللهم إني أسألك إنابة لا رجعة فيها ولا حور يا مصلح الصالحين ويا هادي الضالين ويا راحم المذنبين .... اللهم آمين

نلتقي في مرة أخرى بإذن الله تعالى