السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قد يقول قائل ما جدوى الكتابة في حدث مثل هذا وقد مر عليه ما يقرب السبعة وثلاثون عاماً ، وقد كتب فيه مؤرخون كثيرون وعقدت فيه ندوات بحثية و رسائل علمية ، ما دفعني فيه للكتابة هو ما يلي :
1-ما وقع تحت يدي من مذكرات لقادة الحرب نفسها وهم الذين عاصروا الحدث بل صنعوه ، فقمت بقراءة ما كتبوا جميعاً ثم قمت بمحاولة الجمع بين آرائهم للوصول إلى الحقيقة في أمر إختلف فيه كثير من الناس ولا شك وأن النتائج المترتبة عليه مازلنا نعاني منها حتى الآن
2-الجيل الحالي لا يعلم شيئاً عن هذه الحرب وما حدث فيها وأحسنهم حالاً يعلم ما تبقى من الحدث عن طريق وسائل الإعلام المحوكمة وهي أن مصر قد هزمت إسرائيل ، ولقد راعني مقابلة تلفزيونية أجرتها قناة " أو تي في " مع بض الشباب وسألتهم عن 6 أكتوبر فقال بعضهم إنها مدينة جميلة والبعض الآخر قال إنه تاريخ لا ينسى لأنه يوفق تاريخ عيد ميلاده ، وإذا وصل الأمر إلى هذا الحد فقد نجح اليهود أو من هم معهم في أن ينسونا الحدث وربما بمرور الزمن قد يطمسوا معلماً مهماً من معالم تاريخنا المعاصر
** مقدمة :
1-لن أتكلم عن الفترة من 6 أكتوبر حتى 9 أكتوبر فهي بحق كانت فترة نصر كاسح للقوات المسلحة المصرية على اليهود حيث سار كل شيئ كما هو مخطط له حسب الخطة العسكرية الموضوعة
2-نحاول بقدر الإمكان تجنب المصطلحات العسكرية الصعبة التي ربما تحدث عسراً في الفهم عند كثيرين منا مما يفقدنا التواصل مع الموضوع
3-نركز في هذا البحث على النتائج وإستخلاص العبر والعظات و أغلب ظني أن هذا البحث ربما يكون على حلقات متتابعة بإذن الله تعالى
4-نركز في هذا البحث على الفترة من 10 أكتوبر حتى 28 أكتوبر 1973 م وهو تاريخ الوقف الفعلي لإطلاق النار والفصل بين القوات ، مقسمين هذه الفترة إلى ثلاث فترات :
أ-الفترة من 10 أكتوبر 1973 حتى صباح يوم 14 أكتوبر 1973 وهي ما يعرف في تاريخ الحرب بـ " الوقفة التعبوية " ومعناها وقفة تجميع للقوات للقيام بتطوير الهجوم المصري تجاه خط المضايق
ب-الفترة من 14 أكتوبر حتى 15/16 أكتوبر وهي عملية تطوير الهجوم المصري تجاه خط المضايق
ج-الفترة من 16 أكتوبر حتى 28 أكتوبر 1973 م
أولا : الفترة من 10 أكتوبر 1973 حتى صباح يوم 14 أكتوبر 1973 " الوقفة التعبوية " كما تعرف بالمصطلح العسكري :
من تاريخ 6 أكتوبر حتى 9 أكتوبر كان قد تحقق للجيش المصري كل ما أراد وخطط له بالفعل حيث تم تدمير خط بارليف أقوى مانع في التاريخ وتم عبور القوات وإحتلال ما يقرب من 12 إلى 15 كليومتر وإنشاء الكباري وإستقر وضع القوات المصرية عند هذا الحد وأمكنها صد وتحطيم جميع الهجمات المضادة التي قام بها العدو ، بل وكان وضع الدفاعات المصرية في وضع جيد لا يسمح لقوات العدو بإختراقها ولكن بعد هذا التاريخ حدث خلاف شديد وتباين في وجهة النظر بين طاقم قيادة القوات المسلحة المصرية نوضحه فيما يلي :
أ-يتكون طاقم القيادة من رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة الرئيس الراحل محمد أنور السادات و المشير أحمد إسماعيل على وزير الحربية والقائد العام للجيش المصري والفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان القوات المسلحة المصرية هذه الثلاث شخصيات هي الشخصيات الهامة في قيادة الجيش نضيف إليها شخصية ثالثة وهو اللواء محمد عبد الغني الجمسي رئيس هيئة العمليات للقوات المسلحة ونائب رئيس الأركان وهذه الشخصية أضيفت إلى الشخصيات الأولى - بدون باقي فريق العمليات - لأنه كان نائب رئيس الأركان ورئيس العمليات والذي يكون لديه خرائط المعركة بتفاصيلها وكان رئيس الوفد المصري في مفاوضات الكليو 101 ومباحثات الفصل بين القوات .
ب-كان الفريق سعد الدين الشاذلي - وهو المخطط الحقيقي لحرب أكتوبر 1973 كما سنرى فيما بعد- يرى أن خطة الحرب يجب أن تتوقف بعد إجتياح خط بارليف وتدمير نقطه الحصينة وإقامة المعابر ورؤوس الكباري وإبقاء قواتنا في ظل مظلة قوية من صواريخ الدفاع الجوي والمجال الجوي للطيران المصري حيث أن الطائرات الحربية المصرية تقلع من مطارات خلف القناة وكذلك صواريخ الدفاع الجوي موجودة على قواعد خرسانية خلف القناة والمدى المؤثر للطيران والصوايخ هو على أقصى تقدير 15كليو متر ولهذا يجب أن تتوقف القوات عند هذا الحد حتى لا تكون غنيمة سهلة للكيران الإسرائيلي
ج-كان الفريق أحمد إسماعيل على -القائد العام للقوات المسلحة والذي تم ترقيته لرتبة المشير بعد الحرب-ومن خلفة الرئيس أنور السادات يرى وجوب التوقف وقفة تعبوية لتجميع القوات وتطوير الهجوم
د-يرى اللواء محمد عبد الغني الجمسي أنه كان يجب إستغلال عنصر المفاجأة وإستثمار ما تم تحقيقه من نصر والإستمرار في إجتياح قوات العدو حتى الوصول لخط المضايق دون الحاجة إلى وقفة تعبوية وكذلك لأن الخطة الأصلية لحرب أكتوبر - الخطة بدر - لم تنص على التوقف وقفة تعبوية
هـ -إذا أخذنا في الإعتبار ما جاء في مذكرات اللواء محمد عبد الغني الجمسي من أن السادات في خطابه لهنري كيسنجر وزير الأمن القومي الأمريكي صرح له بأن القوات المصرية لا تنوي الإستمرار في العمليات العسكرية ضد القوات الإسرائلية وصولا لخط المضايق
و - نرى بذلك موقفاً مضطرباً لكل من وزير الحربية ورئيس الجمهورية حيث أن رئيس الجمهورية - كما يرى الجمسى - رأيه هو الوقفة التعبوية رجوعاً لما جاء في خطابه لهنري كيسنجر وهو بذلك يخالف ما نصت علية الخطة بدر كذلك موقف وزير الحربية أحمد إسماعيل على عندما طلب من الفريق الشاذلي يوم 10 أكتوبر تطوير الهجوم لخط المضايق فرفض الشاذلي تطوير الهجوم لأن ذلك يعني القضاء على القوات المصرية المهاجمة لخروجها خارج نطاق حماية الطيران المصري ووقوعها تحت وطأة الطيران الإسرائيلي وطلب منه إستدعاء قادة الجيش الثاني والثالث الميداني الفريق سعد مأمون قائد الجيش الثاني والفريق محمد عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث لأخذ رأيهم في موضوع التطوير فهم من سيقوم بالأمر وكان من نتيجة المناقشة تأخير تطوير الهجوم حتى الساعات الأولى من صباح يوم 14 أكتوبر مما يعني أن وزير الحربية لم يكن له رأي واضح حيث ان رأيه الأولى كان تطوير الهجوم ثم بعد ذلك كان تأخير التطوير ليوم 14 أكتوبر والسؤال هنا هل كان هذا التأخير يرجع لقرار رئيس الجمهورية أم لضغط قادة الجيوش ؟؟؟ الأغلب أنه لرأي رئيس الجمهورية لأن رأي قادة الجيوش كان عدم التطوير
ثانيا الفترة من 14 أكتوبر حتى 16 أكتوبر وحدوث الثغرة :
خلال هذه الفترة تمت عملية تطوير الهجوم المصري تجاه خط المضايق أو الممرات - ممر متلا ومر الجدي وممر الختمية - وهذه الممرات هي طرق جبلية تبتعد عن القناة حوالي 40 كليومتر إلا أنها عسكرياً تعتبر الممر الرئيسي لسيناء ومفاتيح المرور فيها ، تمت خلال هذه الفترة عملية تطوير الهجوم مما كان يعني خروج القوات المصرية خارج مظلة الطيران المصري وصواريخ الدفاع الجوي ووقوعها تحت وطأة الطيران الإسرائيلي وحدث ما توقعه الفريق سعد الدين الشاذلي وخسرت القوات المسلحة المصرية حوالي 250 دبابة من جراء القصف الجوي الإسرائيلي وإرتدت القوات المصرية لرؤوس الكباري مرة أخرى مما يعني فشل عملية تطوير الهجوم المصري وكانت هي المفتاح الرئيسي لعملية الثغرة
ثالثا : الفترة من 16 أكتوبر حتى 28 أكتوبر :
نشير هنا إلى عملية الثغرة فقط وسنتناولها في المقال القادم بالتحليل الدقيق منفردة وما يعنينا في هذا المقال هو عملية تطوير الهجوم وكونها هي المفتاح الرئيس لعملية الثغرة ، كانت الثغرة تعرف عند القادة العسكريين الأسرائيلين بإسم " عملية الغزالة أو القلب الشجاع " أما إسم الثغرة فهو إسم أطلقته عليها القوات المصرية بإعتبار ما قد كان ، وقد جاء في حيثيات القرار الخاص بتطوير الهجوم المصري على لسان الرئيس أنور السادات أن تطوير الهجوم من أجل تخفيف الضغط عن الجبهة السورية وهذا الكلام فيه قدر كبير من عدم الواقعية ، فكما جاء في كتاب الجمسي أن الإتفاق المصري السوري كان يقتضي إستمرار القتال وصولاً إلى خط المضايق حسب الخطة الأصلية وحينما إتخذت القوات المصرية الوقفة التعبوية حول الجانب الإسرائيلي جزءاً من قواته إلى الجانب السوري مما مكن القوات الإسرائيلية من إيقاع خسائر شديدة في الجانب السوري وحتى أن الطيران الإسرائيلي قصف دمشق نفسها والسؤال هلى إستغل هنري كيسنجر المعلومة التي وصلته من السادات بعدم تطوير الهجوم لخط المضايق وأرسلها لإسرائيل مما كان يعني بالنسبة لها التفرغ للجبهة السورية ؟؟ هل كان الموضوع عفوياً أم كان بإتفاق ؟؟ وهذه النقطة نقطة خلاف كبيرة بين الجانب المصري والسوري حول توقف الهجوم المصري دون التنسيق مع الجانب السوري حيث يرى الجانب السوري فيها نوع من الخيانة ، لجأ الجيش المصري لتطوير الهجوم تخفيفاً للضغط عن الجانب السوري مما يعني تصحيح خطأ بخطأ
من ثنايا ما تقدم نستخلص الدروس التالية عن عملية تطوير الهجوم المصري إلى خط المضايق :
1-من الناحية العسكرية كانت العملية فاشلة وكبدت القوات المصرية أكبر الخسائر خلال هذه المدة
2-وضح من ثنايا هذا التحليل الفروق الشديدة بين القيادة العسكرية والقيادة السياسية من جهة والفروق الشديدة بين القادة العسكريين أنفسهم من جهة أخرى ثم الفروق بين القيادة العسكرية السياسية والجندي المقاتل من جهة ثالثة نوضح ذلك فيما يلي :
أ-الفرق بين القيادة العسكرية والقيادة السياسية من جهة :
حيث يتضح من ثنايا مذكرات الفريق سعد الدين الشاذلي واللواء محمد عبد الغني الجمسي والفريق عبد المنعم واصل واللواء محمد عبد الحليم أبو غزالة أن الهدف الرئيسي لحرب أكتوبر 1973 م كان تحرير سيناء كاملة وهو ما كان يتم التدريب عليه ووضع الخطط من أجله أما القيادة السياسية - الرئيس أنور السادات -فقد كان متأثراً بمقولة هنري كيسنجر له من أننا مهزومون - بعد حرب 1967 - ويجب أن نرضخ لشروط الإسرائيلين لأنهم منتصرون ، فكان السادات يرى خلق وضع من خلاله يتم تحسين الموقف المصري في مفاوضات عملية السلام وهذا ما عبر عنه أحد المحللين العسكريين من أن حرب أكتوبر - في رأي السادات - كانت " حرب تحريك ولم تكن حرب تحرير " أي حرب تحريك للموقف في المفاوضات
ب-الفروق بين القادة العسكريين أنفسهم :
تولى الفريق سعد الدين الشاذلي رئاسة أركان حرب القوات المسلحة في أغسطس 1971 وهو رجل مظلي قوي محارب وهو مؤسس سلاح المظلات المصري وخاض جميع الحروب المصرية مع العدو الإسرائيلي ومن حيث العلم العسكري هو أكثر أفراد فريق حرب أكتوبر علماً من الناحية العسكرية حيث حصل على فرق تدربية في الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفيتي وكذلك قام بزيارات لكل من كوريا والإتحاد السوفيتي ، أما المشير أحمد إسماعيل على كان قد أحيل للإحتياط بعد نكسة 1967 بقرار من الرئيس عبد الناصر ثم أعاده السادات لسلاح المخابرات ثم ولاه وزير الحربية عام 1973 ، وكما يعبر عنه الفريق سعد الدين الشاذلي أنه كان شخصاً مريضاً بمرض سرطان الرئة مما يعني أنه طبقاً للعسكرية أنه غير لائق طبياً كما أنه شخص من الناحية الشخصية شديد التردد وكان هذا هو رأي اللواء محمد عبد الغني الجمسي أيضا ، فكان ينظر إلى السادات أنه ولي نعمته لأنه أعاده للخدمة مرة أخرى وكذلك غير خاف عن الجميع الخلاف الشديد الذي كان بينه وبين الفريق سعد الدين الشاذلي من أيام رحلة الكونغو في الخمسنات من القرن الماضي ، أما عن الرئيس السادات فلم يكن يملك من العلم العسكري أي شيئ وكما يقول الشاذلي أنه لم يمارس العسكرية إلا ثلاث سنوات خدم خلالها في سلاح الإشارة أي أن مدة خدمة القائد الأعلى للقوات المسلحة في القوات المسلحة هي 3 سنوات فقط هذا الفرق وضح جلياً في الخلاف حول تطوير الهجوم المصري لخط المضايق كما سبق وأن تم إيضاحه وكما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إرحموا ثلاثاً : عالماً بين جهلاء ، وغنياً إفتقر ، وعزيز قوم ذل " صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكما يقول على رضي الله عنه " شر الأزمنة أن يتبجح الجاهل ويسكت العاقل لكن القبة الجوفاء لا ترجع غير الصدى " بإختصار شديد كان هذا هو موقف الفريق سعد الدين الشاذلي في فريق إدارة الحرب ، أما عن باقي القيادات فكل قائد سلاح كان يعنيه سلاحه وقد أدار كل قائد سلاحه بكفاءة كما شهدت بذلك مذكرات الحرب
ج -الفرق بين القيادة العسكرية متمثلة في القائد الأعلى للقوات المسلحة والجندي :
جاء في كتاب هموم داعية للشيخ محمد الغزالي أن أحد أسباب تدهور الوضع في حرب أكتوبر هو أن القيادة لم تكن على مستوى الجندي حيث أن الجندي كان يحارب من منظور الجهاد في سبيل الله ويتمنى الموت والشهادة أما القيادة العليا كانت تخوض المعركة من أجل أهداف سياسية أخرى ودلل على ذلك بأن الشيوخ كانوا يزورون الجبهة من أجل حض الجنود على القتال والشهادة ، فكان الجندي يجاهد بينما القيادة العليا تفاوض وتناور
2-الأهداف المعلنة والغير معلنة :
جاء ذكرها في كتاب الجمسي من حيث أن السادات كان له هدف هو التوقف في الوقفة التعبوية دون أن يخبر القيادة السورية - شركاؤه في المعركة -ودون أن يصرح بذلك لقادته العسكريين ، كما أن وقف إطلاق النار الأخير لم يخبر به القادة العسكريين وإنما هو قرار إتخذه بمفرده كما جاء في مذكرات الشاذلي والجمسي
3-مهارة التوظيف :
أدار السادات هذه المهارة ببرجماتية مطلقة حيث وظف الفريق سعد الدين الشاذلي كرئيس أركان وكان وقتها برتبة لواء متخطياً أربعين لواءاً كانوا أقدم منه وذلك لكفاءته وإحترافيته العسكرية إستفادة منه ، ثم جاء بأحمد إسماعيل على كما قلنا من الإحتياط إلى سلاح المخابرات ثم إلى قيادة القوات المسلحة فكان أحمد إسماعيل لا يخالف له رأياً مع أن تنفيذ الخطة العسكرية مسؤولية قائد الجيش وليس رئيس الدولة ومن زاوية أخرى إستثمر العلاقة السيئة التي بينه وبين سعد الدين الشاذلي ليسطر على سعد الدين الشاذلي ويقيد من سلطاته في القوات المسلحة بقائده الأعلى وهما كالنقيضين تماماً ووضح هذا في موقفين هامين من مواقف حرب أكتوبر هما تطوير الهجوم والثغرة ، كما أن فريق العمليات كله تم إحتواؤه عن طريق الإنعام بالمناصب والتخلص من بعضهم بالقتل وإحالة بعضهم إلى وزارة الخارجية - سعد الدين الشاذلي - مما يشبه نظرية الركل لأعلى
4-التخطيط الجيد والحرفية العسكرية :
هذا الدرس من دروس الحرب كلها وليس مرحلة تطوير الهجوم فقط ، فقد كان المخطط الرئيسي لحرب أكتوبر - الفريق سعد الدين الشاذلي - قد وضع خطته والتى تعرف بـ " المآذن العالية " على أسس معينة هي :
أ -حرمان العدو من إستغلال تميزه في سلاح الطيران والتفوق التاريخي له فيه ، حيث قامت طائرات العدو بتدمير سلاح الطيران المصري في حرب 1967 على الأرض قبل أن يقلع الطيران المصري وخرج بذلك مبكراً من المعركة .
ب - حرمان العدو من قدرته على مهاجمة أجناب القوات ومحاولة تطويقها .
ج - إستغلال الإقتصاد الإسرائيلي ومحاولة إطالة أمد المعركة مما يكلف إسرائيل خسائر مادية وبشرية كبيرة ، والنقطة الأهم هي الخسائر البشرية حيث أن قوات الإحتياط هي من الشعب العامل مما يعني الضغط بشدة على الإقتصاد الإسرائيلي ودفعه تجاه الإنهيار تلقائياً أو على حد تعبير الفريق سعد الدين الشاذلي " سقوطه كالثمرة العفنة " وأيضاً حرمان الجيش الإسرائيلي من نظرية الحرب الخاطفة السريعة حيث أن كل الحروب السابقة كانت حروب سريعة وليست طويلة مثل 1967 وهي ما تعرف بحرب الساعات الست وكذلك حرب 1956 وكذلك حرب 1948 جميعها حروب قصيرة الأمد ، حيث كانت هذه الخطة - المآذن العالية - تقضي ببناء رؤوس الكباري وإحتلال 15 كليومتر من سيناء والبقاء في أوضاع يمكن من خلالها شن حرب إستنزاف للعدو لتكبيده أقصى خسائر ممكنه ، فكان من جراء هذه الخطة النجاح الباهر في أولها حتى إذا خرج الجيش عنها وحدث تطوير الهجوم كانت الثغرة حصار وتطويق الجيش الثالث الميداني ، أما عن فكرة التطوير السريع للهجوم دون توقف التي طرحها اللواء الجمسي وإستغلال القتال المتلاحم وإشتباك القوات مما يحد من تأثير الطيران الإسرائيلي فهي مردود عليها أيضا حيث أن جندي المشاة لا يمكنه إحتلال الأرض دون غطاء جوي فبإفتراض أن القوات المصرية نجحت في إحتلال خط المضايق دون غطاء جوي وحتى يتم نقل قوات الدفاع الجوي وتجهيز المطارات الداخلية في سيناء فهذا يعني وقوعها كفريسة سهلة ولقمة سائغة للطيران الإسرائيلي مما يعني أن خطة " المآذن العالية " كانت خطة حتمية التطبيق وفقاً للظروف و الإمكانيات العسكرية .
5 -التضليل الإعلامي وقلب الحقائق و إختلاق الأكاذيب :
لعب السادات خلال الحرب كلها دوراً إعلامياً مضللاً إلى حد بيعيد تمثل ذلك فيما يلي :
أ - نسب عملية التخطيط لحرب أكتوبر للمشير أحمد إسماعيل في حين أن المخطط الرئيس للحرب هو الفريق سعد الدين الشاذلي
ب -حسب ما جاء في مذكرات الشاذلي أن السادات بعدما دب الخلاف بينه وبين الشاذلي على أشده طلب من وسائل الإعلام محو صور الشاذلي من صور فريق إدار الحرب الشهير
ج - نفيه الكامل للثغرة وإستدعاؤه للمشير أحمد إسماعيل في مجلس الشعب وقيامه بإستجوابه حول الثغرة وعبور القوات الإسرائيلية للقناة وإحتلال مدينة السويس وهذا الموقف هو للإستعراض الإعلامي وليس من حق رئيس الجمهورية أن يجرى إستجواباً بنفسه فالإستجواب حق لأعضاء البرلمان وليس لرئيس الجمهورية
د - إدعاء السادات في كتاب البحث عن الذات أن سعد الدين الشاذلي عاد من الجبهة بعد إستطلاع الثغرة منهاراً مما دفعه لتنحيته عن رئاسة أركان حرب القوات المسلحة وهو ما نفاه الجمسي في مذكراته وما نفاه أيضاً الفريق سعد الدين الشاذلي حيث ظل يمارس عمله كرئيس لأركان حرب القوات المسلحة حتى ديسمبر 1973 كما جاء في مذكراته وأحاديث
هـ - محاولته تبرير فشل تطوير الهجوم المصري نتيجة للتدخل الأمريكي المباشر في الحرب عن طريق الجسر الجوي وطائرات الإستطلاع الأمريكية وإستطلاعها للجبهة المصرية مرتين متتاليتين وإن صحت الأخيرة فالأولى ليست صحيحة حيث أثبت الفريق سعد الدين الشاذلي من أن الجسر الجوي السوفيتي أمد القوات المسلحة المصرية بالأسلحة والعتاد أكثر مما أمد الجسر الجوي الأمريكي القوات ، الإسرائيلية ، صحيح أن الإمداد الجوي الأمريكي كان أكفأ من حيث النوعية إلا أن كمية السلاح السوفيتي كان أكثر من الأمريكي
و - رفضه لخطة الشاذلي في القضاء على الثغرة وتعمد التشويه الإعلامي لها
ر - وضع السادات نفسه على رأس فريق العمليات في حين أنه لم يشترك لا في التخطيط ولا التحضير بل بالعكس ثبت من أن تطوير الهجوم كان بتدخل منه وأن تدخلاته كانت من الأسباب الرئيسية في تدهور الوضع
6- البعد الديني في المعركة :
جاء في كتاب اللواء محمد عبد الحليم أبو غزالة أن خطة حرب أكتوبر المشتركة بين القوات المصرية والسورية كان إسمها " بدر " وكذلك توقيت الهجوم وهو 10 رمضان يتوافق - حسب رأيه - مع توقيت غزوة بدر أيضاً جاء على لسان الشاذلي أنه هو اول من نبه إلى نداء " الله أكبر " الشهير في المعركة ووزع مجموعات بميكروفونات حتى إذا بدأ العبور تبدأ هذه المجموعات بالتكبير ويؤيد هذا أيضاً ما جاء في كتاب مذكرات داعية للشيخ محمد الغزالي عن حرب أكتوبر
في الحلقة القادمة :
معركة الغزالة أو القلب الشجاع أو ما يعرف بالدفرسوار أو الثغرة
مراجع الموضوغ :
1-مذكرات حرب أكتوبر للفريق سعد الدين الشاذلي
2-مذكرات حرب أكتوبر للواء محمد عبد الغني الجمسي
3-وإنطلقت المدافع عند الظهر للواء محمد عبد الحليم أبو غزالة قائد المدفعية في حرب أكتوبر
4-قصة حياتي " موشي ديان " وزير الدفاع الإسرائيلي
5- إعترافات جولدا مائير رئيسة الوزراء الإسرائيلية أثناء حرب أكتوبر
6-مذكرات أيلي زعيرا رئيس المخابرات الإسرائيلية أثناء حرب أكتبر
7- تحت القراءة الصراع العربي الإسرائيلي للفريق عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث الميداني
8- مذاكرات هنري كيسنجر