أعرف أن هذا المقال ربما يعد خروجاً عن المألوف ومخالفة لقواعد متعارف عليها وأعرف أيضا أنه ربما يحدث دوياً وصدمة لبعض القراء وذلك إذا قدر له أن يرى النور وينشر غير أنني أود أن أثبت أنه ليس نوعاً من التنازل والخور ولكنه محاولة لمناقشة بعض الأمور التي باتت عند الكثير من المسلمات غير أنها لو أخضعت للمراجعة والبحث المنطقي لتبين أنها غير ذلك ، نهدف في هذا المقال إلى بحث الإنتخابات كوسيلة للتغيير ووسيلة دعوية محاولين تقديم حساب أرباح وخسائر لهذه الوسيلة - وأقول الوسيلة - وذلك لأنها ليست غاية في حد ذاتها ، نقول وبالله التوفيق أن الإنتخابات كوسيلة دعوية ووسيلة للتغيير ينتابها كثير من العوار الذي يحدو بنا إلى إعادة تقييمها وإذا كان هناك إنصات لما تخرج بها نتائج البحث فلربما أطحنا بها في الهواء إلى غير رجعة .
أولا : الإنتخابات كوسيلة دعوية :
1- الإنتخابات كوسيلة دعوية إستنفذت أغراضها
كثير من الدعاة يرى أن الإنتخابات وسيلة دعوية هامة لطرح فكرة الإسلام الشاملة التي تشمل كل مظاهر الحياة جميعاً بما في ذلك الحكم والسياسة وإيصال ذلك الخطاب إلى العامة وجمهور الناس ، وتاريخياً كان هذا الخطاب ذا رواج شديد عند الناس إعتباراً من إنتخابات عام 1987 م وكان ذلك بداية ميلاد شعار " الإسلام هو الحل " ثم تعاقبت بعد ذلك الإنتخابات وكانت القرارات والقضايا التي رفعت من أجل إقصاء هذا الشعار عن الوجود في العملية الإنتخابية بل ربما أراد مناهضوه إقصاءه من الحياة العامة كلها، أقول إن الإنتخابات كوسيلة دعوية قد حققت إهدافها وإستنفذت أغراضها لذا وجب على الحركة الإسلامية البحث عن وسيلة أخرى تؤدي هذا الغرض بل وأقول أننا في هذا لمجال يجب أن نكون متعددي الوسائل والتي تخدم هذا الهدف
2-المنع والتضييق على هذه الوسيلة بما يحد من قيمتها
غير خاف على القاصي والداني ما يرى من منع كافة وسائل الإتصال بالناس مثل :
- مصادرة المطبوعات
-عرقلة المسيرات الإنتخابية
-منع المؤتمرات الإنتخابية على مرشحي الحركة الإسلامية وحرمانهم من أهم وسيلة للإتصال الفعال بالجماهير
-الإعتقالات والمنع والتضييق لأنصار المرشح وتضييق دوائر الأتصال بالناس
-حرمان مرشحي الصوت الإسلامي من كافة وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة وفي المقابل الحملة الإعلامية المضادة القوية عليهم
من هذا نرى أن الإتصال الفعال بالناس خلال الحملة الإنتخابية لإيصال الفكرة الإسلامية والتي هي الهدف الأسمى من هذه الوسيلة يكون في أضيق نطاق أو في حدود ما تسمح به آلية النظام المصري فإن قال قائل فما تم تحقيقه من نتائج سابقة كنتيجة إنتخابات عام 2005 وعام 2000 كيف كان إذا ؟؟؟ يكون الرد أن ما تم تحقيقه بفضل الله أولا ثم كان رد فعل القمع والتغييب بالسجون لأنصار المرشحين مما أحدث معه موجة عارمة من التعاطف كانت كفيلة بالإطاحة بمرشحين النظام ككل
ثانياً : الإنتخابات كوسيلة للتغيير
من يظن أن التغيير قادم من خلال صندوق الإنتخابات فهو واهم بل هو سادر في غفلته والتحليل العقلي ونتائج الواقع تؤيد ذلك ، أقول إن الإنتخابات كوسيلة للتغيير يشوبها كثير من العوار للأسباب التالية :
1-هذه الوسيلة في كافة مراحلها تضمن وتكفل لواضيعها التدخل لتعديل النتيجة كما تقتضي أهواءهم فلو إستغرضنا كافة العملية الإنتخابية سنرى أنها كما يلي :
-قبول أوراق المرشحين :
هذه لا تعتبر من مراحل العملية الإنتخابية إلا أنها سابقة عليها وغير خاف عن المتابعين أنه يتم منع مرشحي الصوت الإسلامي من تقديم أوراقهم بكافة الوسائل بما في ذلك تعقييد الإجراءات ومروراً بالطوابير الوهمية إلى ما يستحدث من وسائل جديدة تتفتق عنها قريحة النظام المصري
-اللجان الإنتخابية :
عدم إعطاء مرشحي الصوت الإسلامي توكيلات عامة وخاصة للمندوبين التابعين لهم بل وطرد وإعتقال المندوبين وتغييب كافة مؤسسات المجتمع المدني والمراقبين عن متابعة ومراقبة سير عميلة الإنتخابات
-مرحلة الفرز :
فإذا سارت العملية الإنتخابية كما ينبغي في كافة مراحلهايتم التزوير في هذه المرحلة بل أقول إن التزوير في هذه المرحلة - كما حدث في إنتخابات دائرة دمنهور وزاوية غزال عام 2005 - هو أخطر عمليات التزوير وذلك لأن كل المراحل السابقة عليه تمت كما ينبغي ثم يأتي التزوير فيسرق ما قد تم مما يعني سرقة جهد وتعب وفرحة وأمل الذين شاركوا في العملية الإنتخابية
-الإشراف القضائي على العملية الإنتخابية
كان الحكم التاريخي الصادر من المحكمة الدستورية العليا بقاضي لكل صندوق بارقة أمل وحصن حماية لآمال الناخبين وقد برهنت التجربة على صدق هذا الأمل في إنتخابات عام 2000 م ثم جاءت الهجمة الإقصائية على القضاء وحصره بدعوى السمو بمكانة القاضي ورفعه عن أن يكون في لجنة فرعية وما إلى ذلك من كافة الدعاوى الحكومية التي تم الترويج لها فجاء التعديل بأن القاضي وجوده في اللجنة العامة وليس في اللجان الفرعية مفسحاً المجال للمزوريين وأذنابهم حتى يرتعوا ويمرحوا
-إعلان النتيجة عن طريق اللجنة العامة للإنتخابات
وهذه المرحلة أيضاً من الخطورة بمكان حيث يتم تجميع النتيجة على مستوى الدولة ككل وتولي إعلانها عن طريق وزارة الداخلية وقد شهدت إنتخابات عام 1987 م تصريحاً مضحكاً لوزير الداخلية الراحل زكي بدر " وإن إرتفاع نسبة تمثيل المعارضة لهي دليل على نزاهة الإنتخابات " والذي حضروا هذه المرحلة يتذكروا أن هناك مرشحين قد نجحوا فعلاً وتم إقصاؤهم وإستبعادهم لأسباب مجهولة
من إحصاء هذه المراحل نرى أن خروج العملية الإنتخابية بشكل نزيه لا يتم إلا إذا كان القائمون عليهاصديقون أو قوم أطهار طهارة فوق طهارة البشر
2-الخصم والحكم في هذه العملية هو شخص واحد حيث تتولى وزارة الداخلية الخاضعة للحزب الوطني متابعة العملية من أولها إلى آخرها وكيف يتصور أن يكتب أحد الناس نعيه بيده
3-الإنتخابات آلية لبرالية أو خاصة بالنظرية الديمقراطية والبون بينها وبين النظرية الإسلامية بون شديد وذلك لأن :
-فكرة المجالس النيابية فكرة مستحدثة لم تكن على عهد الدولة الإسلامية الأولى وإن قال قائل أن طريقة الحكم ليست وحياً وإنما هي إجتهاد ومن حق الناس أن يجتهدوا وفق القواعد الإسلامية حسب مقتضيات كل عصر نقول أننا تلقفنا هذه الآلية دون بحثها وتمحيصها ومن قال أن الناخب العامي الجاهل الغير متعلم يملك حق تقرير من ينوب عنه أو حق تقرير من يحكمه وهذه نقطة غاية في الخطورة ، إن إختيار الحاكم في الدولة الأولى كان يتم عن طريق أهل الحل والعقد الذين يختارون من يحكم ثم يجمعون له البيعة من الأمصار أما الأختيار بهذه الطريقة فهناك تحفظ شديد عليها
- إن المواطن البسيط يملك من الضغوط والمشاكل ما يكفي لتحيز قراره وإنحرافه وقد قال الفقهاء " لا يحكم القاضي وهو جوعان ولا يحكم القاضي وهو غضبان " فما بالك بهذا المواطن وهذا الشعب الذي يعيش أكثر من 60% منه تحت خط الفقر فهو بالدليل جوعان وغضبان وسيأتي بأي أحد يطعمه ويسد فقره أياً كان هذا الأحد نكاية في الحزب الوطني
-ماذا لو جاءت نظرية الديمقراطية عن طريق آليتها الإنتخابية بأحد من الشواذ أو دعاة الفساد هل نتقبله إحتراماً لإرادة الشعب ؟؟؟؟ إن الذين دندنواحول الديمقراطية والإنتخابات ضاقوا بها ذرعاً عندما جاءت بالإسلاميين حتى أن الكاتب محمد سلماوي عقب إنتخابات 2005 قال في مقابلة تلفزيونية له بالتلفزيون المصري " إننا كمثل رجل تعلم سواقة سيارة ثم ساقها فكادت أن تؤدي به إلى هلاكه " مشيراً بذلك إلى نجاح كم كبير من مرشحي جماعة الإخوان المسلمين فماذا لو تبادلنا المقاعد بمعنى أن جاءت هذه الإنتخابات بأحد المخالفين للشريعة الإسلامية
-من المعروف إن نظرية الأغلبية هذه تخضع للعرف العام وإتجاهات الناس وليست الكثرة والأغلبية ممدوحة على الإطلاق في الشريعة الإسلامية بل قد ذمها القرآن في غير موضع " وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين " وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون " وفي المقابل مدح القلة وأثنى " وقليل من عبادي الشكور " " وقليل ما هم " بمعنى أن فكرة الفوز على أساس الأكثرية والهزيمة على أساس الأقلية فكرة تحتاج إلى نظر وقياس من وجهة نظر القرآن والسنة فليس كل كثرة خير أو صلاح وليس كل قلة شر أو فساد
4-إن أعلى الدول ديمقراطية وحرية للرأي لم تسلم من التزوير في الإنتخابات والشاهد على ذلك الإنتخابات الرئاسية الأمريكية حيث تم فيها التزوير لصالح جورج بوش الإبن
5-ليس من المعقول وضع شرع الله ومنهجه محل إختيار وإقتراع عند العامة قبلوه أم رفضوه فالناس عبيد لله محكومين بشرعه وليسوا مختاريين فيه ، ثم الإشكالية الكبرى إذا سقط مرشحو التيار الإسلامي في إنتخابات حرة نزيهة - هذا جدلاً- السؤال هنا هم الذين سقطوا أم الفكرة ؟؟؟ وكثير منا نحن وليس من العامة يتعامل على أن الرجل - المرشح - هو الفكرةوالفكرة هو، وهل نستطيع قبول فكرة رفض منهج الله وشريعته في إنتخابات حرة !!!!!!!أقول إن الناس محكومين بشريعة الله وليسوا مختاريين
6-طريقة الدعاية الإنتخابية والخطاب الجماهيري طريقة برجماتية مع الفارق في أسلوب كل فريق حيث يلجأ فريق إلى إعطاء الناخبين نقوداً وعطايا مادية وفريق آخر يلجأ إلى مخاطبة جمهور الفقراء بوعود إنتخابية بعضها لا يمكن تنفيذها والبعض الآخر هي من قبيل الأماني أو يحال بينه وبين تطبيقها ومخاطبة الناس عن مشاكل عامة تخص الدين والمجتمع بينما هم غارقون في مشاكلهم الشخصية وكلا الأسلوبين يهدف إلى نتيجة واحدة هذا يهدف إلى الحصول على الصوت الإنتخابي طواعية مستغلاً حاجة الناخب وهذا يهدف إلى الحصول على الصوت الإنتخابي تحت تأثير المشاعر الجياشة والأحاسيس الفضفاضة دون النظر إلى القناعة واليقين ، وبصرف النظر عن هذا الفريق وهذا الفريق فلا بد أن تتم الدعاية الإنتخابية بأسلوب برجماتي فكل ناخب يدعوا إلى نفسه ، وأقول أنه يجب التبين وعدم دغدغة مشاعر العامة بشعارات وأقوال وخطب يصعب إسقاطها على الواقع مما يعطي جمهور الناخنبين إنطباعاً أن هذا الفريق من المرشحين ما هو إلا ظاهرة صوتية وقد يكون في كثير من الإحيان إن إستعباد البيان أقوى من إستعباد السنان
7-كثير من تصرفات أبناء الحركة الإسلامية خلال العملية الإنتخابية كان أقرب إلى ردود الأفعال عنه إلى الأفعال على سبيل المثال لا الحصر
-ما ثار حول شعار الإسلام هو الحل وأن الحركة الإسلامية لا تملك آلية حقيقة لتطبيقه فجاءت البحوث والكتابات لتبين هذا المعنى
-ما ثار حول البرنامج الإنتخابي للإخوان المسلمين ثم ظهر البرنامج الإنتخابي وثار حوله مشاكل عدة أدت إلى أجراء بعض التعديلات عليه
-ترشيح بعض الأخوات لتأكيد أن المنهج الإسلامي لا يناهض المرأة ولا يحارب توليها للمناصب العامة
-لغة الحوار حول موضوع الأقليات والأقباط
أتساءل هنا لماذا لم تكن هذه البحوث والكتابات سابقة على موجات الهجوم هذه ؟؟؟ أم أن أبناء الحركة أسترشدوا بموجات الهجوم حتى يحدثوا نوعاً من التكميل والإصلاح ؟؟؟؟ ينبغي لحركة إسلامية تبغي الإصلاح أن يكون لها أجندتها السابقة المستقلة النائية عن ردود الأفعال البعيدة عن أرضاء أصحاب الإتجاهات المعاكسة أو حتى الهدف إلى إرضاء وجذب العامة
-مبدأ المشاركة لا المغالبة وما فيه لمحاولة التوفيق والتجميع وإستمالة القوى السياسية الأخرى وإزالة خوفها من تيار الإخوان المسلمين السياسي مما يعني الإكتفاء بعدد معين ونسبة من المرشحين وإزالة خوف الحزب الوطني وحكومته وعدم إستعدائه على الحركة الإسلامية
8-الأخطر والأدهى من كل ما سبق أن تجربة الواقع تشهد بعدم إمكانية تولي أبناء الحركة الإسلامية لزمام الأمور عن طريق صندوق الإنتخابات وتجربة الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالجزائر خير شاهد وتجربة حركة حماس خير شاهد فالمجتمع الدولي لا يقبل أن تأتي حركة إسلامية لزمام الحكم عن طريق صندوق الإقتراع بل إن بعض سدنة الديمقراطية مازال مقاطعاً لحركة حماس رغم أنها حكومة منتخبة إنتخاباً حراً طبقاً للآليتهم المعتمدة
9-السؤال هل الشرعية تكتسب من إنتخاب الشعب أم من ماذا ؟؟ أنها شرعية طبقاً للنظام الناتجة منه وليست شرعية حسب اللفظ فالشرعية هي شرعية النظام من خلال الشريعة وهل يعني نتاج نظام يخالف شرع الله منتخب إنتخاباً حراً أنه نظام شرعي
10- في محاولة لضمان النزاهة يطالب أقوام بالإشراف الدولي وهي محاولة المستجير من الرمضاء بالنار وهل يعقل أن يجير قوم يضجوا من مجرد ذكر الإسلام قوماً يروا في الإسلام منهج حياة
تلك عشرة كاملة
أخيراً على الذين يدعون إلى الإستشهاد في سبيل الإنتخابات أن يتريثوا قليلاً في دعواهم ولأن الأمر لا يعدوا كونه وسيلة في حد ذاته وليس غاية وإذا كنت تملك زمام قيادة فئة فلا يعني ذلك أن تقودها إلى الموت شبهة
ألا هل بلغت اللهم فاشهد
إلى اللقاء في مرة أخرى بإذن الله تعالى