السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نتناول في هذه المقالة الحلقة الثالثة والأخيرة من هذا البحث الخاص بحرب أكتوبر 1973 ونود أن نختم هذا البحث بما كنا قد بدأنا بالتنويه عنه هو أننا لسنا بصدد كتابة التاريخ بقدر ما أننا بصدد جلاء الأحداث وكشف الغبار عن الحدث الحقيقي بما توافر لدينا من معلومات ومحاولة تبيان الحقائق بعدما أعتورها التشويش من هذا الجانب وهذا الجانب فكلا من الجانبين يدعي أنه خرج من هذه الحرب منتصراً والحقيقة تحتاج إلى لجان لتقصيها
أولا : لجنة أجرانات :
ينبغي الحديث عن لجنة أجرانات أولا حيث هي الأولى من حيث الترتيب الزمني حيث تكونت لجنة أجرانات للوقوف على ما حدث لجيش الدفاع الإسرائيلي في حرب أكتوبر 1973 ، ولسنا هنا بصدد كتابة التاريخ الإسرائيلي ولكننا نأخذ منه ما يتواكب مع كتابة أحداث الموضوع الذي نقوم بتحليله
1- تكونت لجنة أجرانات في 21 نوفمبر 1973 أي بعد شهر ونصف تقريبا من أندلاع حرب أكتوبر وبعد حوالي سبعة وعشرين يوماً من وقف إطلاق النار وتلك نقطة جديرة بالتحليل ، حيث لم ينخدع الشعب الإسرائيلي بما روج له وزير دفاعه - موشي ديان - من أن جيش الدفاع قد خرج منتصراً من حرب يوم كيبور ، فتكونت هذه اللجنة من جراء الضغط الشعبي الشديد على حكومة رئيسة الوزراء جولدا مائير وذلك للوقوف على تفسير وحل لملفين هامين :
1-الملف الأول وهو : معلومات المخابرات بالنسبة للأيام السابقة لحرب يوم كيبور من حيث تحركات الأعداء -المصريين - العسكرية وإحتمال بدء الهجوم والقرارات التي أتخذها المسؤولون العسكريون والسلطات المدنية للرد على هذه التهديدات وكذلك الأداء الهزيل لجيش الدفاع الإسرائيلي في الأيام الأولى وأقول الأيام الأولى لحرب أكتوبر وهذا ما أكدته التقارير المنصفة والعادلة والموضوعية
2-الملف الثاني وهو وضع جيش الدفاع في حالة الحرب وحالة إستعداده في أيام ما قبل الحرب وعملياته إلى أن يتم إحتواء العدو :
ومما هو جدير بالذكر أن هذه اللجنة تكونت من جراء ضغط موضوع الأسرى الإسرائيلين لدى الجيش المصري وكذلك كثرة المفقودين وحاجة العائلات الإسرائيلية لمعرفة ما إذا كان أبناؤها في الأسرى أم في القتلى ، وإذا كانوا في جانب القتلى فالسؤال عن كيفية إسترداد جثثهم والقيام بدفنها ، وتلك النقطة كانت من النقاط الهامة جداً التي كان من الممكن أن يغتنمها الجانب المصري ويتخذها كورقة ضغط في صالحه في مفاوضاات فض الإشتباك بين القوات وكذلك مفاوضات فك حصار الجيش الثالث الميداني وهذا ما لم يفعله الجانب المصري ، وما يؤخذ من هذه النقطة هو سرعة تكون هذه اللجنة للوقوف على حل لهذين الملفين بعد إنقضاء الحدث بمدة وجيزة وبصرف النظر عن أداء هذه اللجنة من عدمه ، وكان ينبغي علينا تكوين ليس لجنة واحدة بل عدة لجان وقاعات بحث وأن يقتل الموضوع بحثاً للوقوف على حقيقة ما آل إليه الأمر في هذه الحرب ولكن ما حدث هو أننا إنسقنا وراء إعلام مضلل وزعامات زائفة وبطولات وهمية وغضضنا الطرف عما حدث فيها والحقيقة تصرخ وتدلل أن ثمة أخطاء فادحة أرتكبت وأرواح أزهقت وأموال تبددت وكارثة كادت أن تتحقق ولكن الله سلم ، ولكن أعود وأقول من حق الأجيال القادمة أن تعرف حقيقة حرب أكتوبر وحقيقة المخطئ والمصيب وهذا ما نادى به الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس الأركان ولكن لا مجيب
2- تكونت لجنة أجرانات من قاضيان كبيران ومراقب دولة وإثنين من رؤساء الأركان السابقين ورجل آثار وترأسهاالدكتور / شمعون أجرانات رئيس المحكمة العليا الإثنين الذين ترأسا أركان حرب جيش الدفاع الإسرائيلي وهما بيجال يادن ولسكوف ، وواضح من تركيب اللجنة أن لها كافة الضمانات الفنية والكفاءة العلمية ليكون قرارها صحيحا وحكمها صائباً إلا أن الإجراءات وكذلك الحكم شابهما نوع من العوار حيث فرضت اللجنة على جميع من تولت التحقيق معهم عدم إحضار محامين أو رجال قانون حتى لا يشوب الإجراءات نوع من التعقيد ولم تطبق اللجنة هذه الشروط على كل من وزير الدفاع موشي ديان ولا رئيسة الوزراء جولدا مائير وهذا خلل كبير في الإجراء ، مكثت اللجنة في بحثها لمدة عام كامل وجاء قرارها كأنه في محاولة لإيجاد كبش كي يذبح و شخص يلعب دور المتهم في تلك القضية فجاء تقريرها بإلقاء المسؤولية كاملة على جهاز المخابرات برئاسة إلياهو زعيرا وكذلك شمويل جونين قائد المنطقة الجنوبية ، وليس من قبيل الخروج على الموضوع إذا قلنا أن إلياهو زعيرا مكث يبحث في الموضوع ما يقارب العشرين عاماً حتى خرج بكتابه الذي هو أحد مراجع الموضوع والذي يقرر فيه عوار التقرير وتحيزه لكل من وزير الدفاع وكذلك رئيسة الوزراء
3- ما يجب أن نتوقف عنده هو ان الشعب الإسرائيلي لم تنطل عليه هذه الخدعة وخرجت المطاهرت تطالب بإقالة رئيسة الوزراء ووزير الدفاع وهذا الذي نطالب به هو النضج الشعبي الكفيل بمراقبة الأداء الحكومي ومحاسبتها طالما أن في ذلك مصلحة الشعب وهنا وقفة لا بد منها حيث نحار في فهم تصرفات شعبنا التي لا مبرر لها إلا أنه شعب تحكمه العاطفه وتسيره مشاعره لا المصلحة فإذا عقدنا مقارنة بين مواقف شعبنا والشعوب الأخرى في الأزمات لوجدنا شعبنا يتخذ موقفا فريداً لا من حيث الإستحسان وإنما من حيث الإستهجان حيث خرج ونستن تشرشل رئيس الوزراء البريطاني من الحرب العالمية الثانية منتصراً ورغم ذلك أسقطه الناخب البريطاني في الإنتخابات أما نحن فبعد هزيمة 1967 تنحى رئيس الجمهورية جمال عبد الناصر فيما يشبه الحركة المسرحية وخرج أبناء الشعب يطالبونه بالعودة !!!!!!!! هذه الشعوب تعرف تماما ما تريد وتعرف كيف تقيم حكامها أما نحن فأمامنا دهر دهير
ثانيا : مفاوضات الكليو 101
تمت مفاوضات الكيلو 101 بعد وقف إطلاق النار أي بعد يوم 26 أكتوبر 1973 حيث ترأس الجانب المصري الفريق محمد عبد الغني الجمسي بصفة رئيس أركان القوات المصرية بعد عزل الفريق سعد الدين الشاذلي وترأس الجانب الإسرائيلي أهارون باريف و ديفيد إليعاذر رئيس أركان القوات المسلحة الإسرائيلية حيث وقع الأول إتفاقية النقاط الستة الخاصة بفك حصار الجيش الثالث الميداني ووقع الثاني أتفاقية فض الإشتباك بين القوات ، دامت مفاوضات الكليو 101 سبعة عشر إجتماعأ ، عشرة إحتماعات خاصة بفك حصار الجيش الثالث الميداني وتوصيل الإمدادات الطبية والإدارية غير العسكرية له وسبع إجتماعات خاصة بفض الإشتباك بين القوات
في المرحلة الأولى منها - مرحلة العشرة إحتماعات - كان الهدف هو فك حصار الجيش الثالث الميداني وتوصيل الإمدادات له وكانت إسرائيل تعلم ذلك فكانت تضغط وبقوة على هذه النقطة وكان بيد المفاوض المصري نقطة قوة إلا أنه لم يستغلها ألا وهي نقطة الأسرى الإسرائيلين وكذلك القتلى والجرحى ولست أدرى ألم يكن يعلم القادة المصريين بالضغط الذي كانت تمارسه العائلات الإسرائيلية على القادة من أجل إسترجاع أبنائهم الأسرى أو جثث القتلى ؟؟؟؟؟ فجات النتيجة في شكل مهين ووجه ذليل حيث كانت الإمدادات تنقل إلى الجيش الثالث في شاحنات عند مدخل مدينة السويس يتم تسليمها لسائقين من الطرف الإسرائيلي حيث يتم نهب هذه الشاحنات ولا يصل منها إلا النذر اليسير
في المرحلة الثانية منها مرحلة السبعة إحتماعات الخاصة بفض الإشتباك بين القوات طرح الجانب الإسرائيلي بعض المبادئ العامة لتنفيذ فض الإشتباك وهي :
1- ألا تبدو عملية فض الإشتباك كهزيمة لأي طرف من الأطراف
2- أن تكون الخطط متوازية
3- أن يتم التحرك إلى خطوط مؤقتة لكنها قوية
4- نقطة خبيثة جدا وهي توفير إجراءات لتوفير جو السلام والتقليل من إحتمال الحرب وذلك بعودة الحياة الطبيعية لمنطقة القناة كضمان فعلي لعدم النية على الهجوم مرة أخرى ، أي إتخاذ منطقة مدن القناة بما يشبه الدرع الواقي أو تطمين عملي على عدم الهجوم من قبل الجانب المصري حيث تم إخلاء هذه المدن في أثناء الحرب
5- إقامة منطقة عازلة من قوات الطوارئ الدولية
في 28 نوفمبر 1973 كان الإجتماع السابع عشر والأخير وتم توقيع إتفاقية فض الإشتباك بين القوات المصرية برئاسة الفريق محمد عبد الغني الجمسي والقوات الإسرائيلية برئاسة ديفيد إليعاذر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي
وهنا نقطة جديرة بالتحليل هو أنه كان قد تم تولية الفريق عبد الغني الجمسي رئاسة الجانب المصري حسب زعم الرئيس السادات لأنه أعلم واحد بالخرائط وكان يجب أن يكون رئيس الجانب المصري هو الفريق سعد الدين الشاذلي ولكنه لم يول ربما للخلافات التي كانت قد بلغت ذروتها بعد حادثة الثغرة أو ربما أنه كان ينوي عزله من منصبه حيث تم عزله فعلياً في شهر ديسمبر 1973
عانت مفاوضات فض الإشتباك بين القوات من تعنت الجانب الإسرائيلي وبعد طول مباحثات يحتج الطرف الإسرائيلي بانه غير مفوض ببحث هذه النقاط أو أن الأمر مرجأ حتى يؤخذ راي الحكومة الإسرائيلية ، بالفعل أوشكت المفاوضات على الفشل إلا أنها نجت وخرجت للوجود بفضل ما عرف بسياسة المكوك أو السياسية المكوكية التي كان يتخذها وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر ، فزار القاهرة وزار القدس عدة مرات ، وجدير بالذكر هنا أن نذكر مباحثات أسوان بين الرئيس السادات وكيسنجر حيث وافق الرئيس السادات على تخفيض عدد القوات المصرية إلى سبعة آلاف رجل وعدد ثلاثين دبابة ينظمون في عدد ثمانية كتائب بعد ان كان للجيش المصري جيشين كاملين يقدر عددهما بحوالي مائة ألف رجل ، وجدير بالذكر أيضا أن الرئيس السادات لم يخبر الفريق الجمسي قائد الجيش بهذا الإتفاق الذي تم بينه وبين كيسنجر وعند عرض كيسنجر لهذا الإتفاق في مباحثات أسوان أعترض الجمسي وخرج من الإجتماع مغضباً حسب تعبيره ( راجع مذكرات حرب أكتوبر للمشير محمد عبد الغني الجمسي ) ، نقطة خطيرة هي أن رئيس الجمهورية لم يوقف رئيس أركان جيشه على حقيقة إتفاق ذو طبيعة عسكرية تم التوصل إليه مع الأعداء مما يلقي ظلالاً من الشك حول هذه الإتفاقات من جذورها
الموقف الثاني هو أن السادات قدم لمناحم بيجين رئيس الوزراء الإسرائيلي عند زيارته للقدس عام 1979 وعداً بعدم نقل قوات مصرية شرق ممري متلا والجدي وهذا أيضاًُ من تلقاء نفسه ودون الرجوع إلى قائد الجيش في أمور عسكرية تتعلق بتحركات الجيش وامن وسلامة القوات المصرية ، هذين الموقفين دعما من موقف إسرائيل في مباحثات فض الإشتباك بين القوات ومباحثات السلام وجعلها تأخذ موقف المتعنت ، أيضاً ساهم في ذلك العزلة العربية التي فرضت على مصر من قبل الدول العربية التي رفضت مباحثات السلام بين مصر وإسرائيل بل وأضعف موقف مصر في المفاوضات مما جعل الرئيس المصري يقبل بالتنازلات خوفاً من الفشل في المباحثات على حسب رأي المشير عبد الغني الجمسي
يرى وزير الدفاع الإسرائيلي موشي ديان أن يوم 18 يناير 1974 هو اليوم الحقيقي لوقف إطلاق النار حيث لم يقف إطلاق النار فعلياً من يوم 24 أكتوبر حتى هذا اليوم ويقول كان إختلافنا مع المصريين يتركز في نقطين هامتين :
1- من الذي سيحتل ممري متلا والجدي
2- النقطة الثانية تتعلق بتخفيض عدد القوات
لاحظ أن كلا من النقطتين تولى الرئيس المصري حسمهما لصالح الجانب الإسرائيلي
** نظرة عامة وخاتمة
يقول إلياهو زعيرا رئيس المخابرات الإسرائيلي أن وزير الدفاع موشي ديان قد طور فكرة الدفاع عن القناة بالخط الشهير الذي عرف بإسم خط بارليف إلا أن هنا وقفة أثبتها هو :
يقول أن نظريات الدفاع تقوم على نظريتين هما نظرية الدفاع الثابت و نظرية الدفاع المتحرك وبناء خط بارليف بهذا الشكل هو أحد أوجه نظرية الدفاع الثابت ألا أن هذه النظرية أثبتت التجربة خطأها للأسباب التالية :
1- جميع الخطوط الدفاعية مهما كانت إستحكاماتها سقطت عبر التاريخ أمام المهاجمين ولم تعق تقدمهم هذه واحدة ،
2- النقطة الأخرى هي خطأ فكرة الدفاع عن خط القناة الذي طوله 160 كم بحوالي ألف جندي وبضعة عشرات من الدبابات في مقابل سبع فرق مصرية وحوالي 1300 دبابة وحوالي 1100 مدفع هذا يعني أن ميزان القوى في صالح الجانب المصري
3- خط بارليف كان عدد نقاطه واحد وثلاثين نقطة أغلق شارون منها خمسة عشر نقطة عندما كان قائداً للمنطقة الجنوبية وأبقى منها ستة عشر تعمل فقط بإجمالي عدد مقاتلين خمسمائة وخمسة جندي لقى منهم مائة وستة وعشرون مصرعه وأسر مائة وأثنين وستين ونجا مائة وثلاثة وخمسون منهم وصمدت نقطة بودابست فقط ولم تسقط وكان عدد الذين فيها أربعة وستون جندياً
الملاحظة الهامة هي أن أريل شارون عندما كان قائداً للجبهة الجنوبية ( سيناء ) تولى تعديل نظرية الدفاع الإسرائيلية ونقلها من الدفاع الثابت إلى الدفاع المتحرك وهذا تعديل غاية في الخطورة ، وقبل أن ننتقل من هذه النقطة لاحظ تضارب الآراء بين الجانب المصري والجانب الإسرائيلي حول خط بارليف فيرى رئيس المخابرات الإسرائيلي أنه كان أحد اجزاء خطة الدفاع ولم يكن أهمها كما يرى الجانب المصري وراجع في ذلك الإحصائيات التي ذكرها ، ويجب أن نتوقف هنا لنتسائل هل كان الجانب المصري يعلم بهذه التعديلات التي أجراها شارون في نظرية الدفاع عن سيناء أم ؟؟؟
2- يرى إلياهو زعيرا أن نظرية الدفاع المتحرك التي كان يتخذها الجانب الإسرائيلي تسمح للمهاجم بتحقيق مكاسب مرحلية ثم بعد ذلك يتمكن المدافع من القيام بهجوم مضاد يمكنه من إختراق قوات المهاجم وهذا ما أكدته وقائق المعركة
3-يرى موشي ديان أن قائد الجيش المصري سعد الدين الشاذلي لم يكن يدرك ما تنوي القوات الإسرائيليه عمله من العملية " الغزالة أو الثغرة " وهذا مكن من حدوثها ، ورجوعاً إلى ما أسلفنا نرى أن الجانب المصري كان يعاني من نقص المعلومات تارة ومن عدم دقة المعلومات المرفوعة إلى القيادة
4- بالنظر إلى الشكل الذي أنتهت عليه الحرب ورجوعاً إلى ما قرره رئيس المخابرات الإسرائيلية حول نظرية الدفاع المتحرك نرى أن نتيجة المعركة بهذا الشكل كانت نتيجة حتمية بمعنى أن التغني بالنصر من جانب الجانب المصري وبهذا الحجم ليس صحياً على إطلاقه ، من الممكن القول أننا حققنا إنتصاراً في المرحلة الأولى أما ما بعدها ففيه شك كبير
بهذا نكون قد إختتمنا هذه الحلقة وهذا البحث سائلين الله عز وجل القبول والتوفيق
وإلى اللقاء في مرة أخرى بإذن الله تعالى
No comments:
Post a Comment