السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
غير خاف على الجميع أن المناخ الذي تعيشه الحركة الوطنية المصرية والحركة الإسلامية تحديداً بعد ثورة 25 يناير مناخ جديد بكل ما تحمله الكلمة من معنى غير أن الأمر لابد أن ينظر إليه نظرة أعمق من مجرد إستنشاق أنفاس الحرية وطرح أغلال الظلم ونير الإستعباد حيث كانت جميع القوى الوطنية مكممة الأفواه محجمة القدرات مقلمة الأظافر تعلب في نطاق محدود نطاق ما تسمح به قوى الحزب الحاكم اللاعب الوحيد والرئيس في الفترة الماضية أنذاك ، أما الحركات الإسلامية فالوضع بالنسبة لها أعمق من التكميم حيث كانت تعاني من الإبعاد والتشويه والإقصاء بل حتى محاولات لإفناء من الوجود أصلاً بطرق مشروعة وغير مشروعة ، ولا نسطيع أن نسميها بالحركة الإسلامية الواحدة حيث أنها ذات أطياف مختلفة نوضحها كما يلي :
1- طيف كان يرى أن العمل السياسي رجس من عمل الشيطان وأن نزول الإسلاميين إلى إنتخابات مجلس الشعب حرام وأنه مجلس شركي وإشتراك في الحكم بغير ما أنزل الله وهذا الرأي كان يتبناه التيار السلفي ومن أراد دليلاُ فليراجع كتابات التيار السلفي خلال إنتخابات مجلس الشعب في الأعوام 1987 م و 1990 م و 1995 م وحتى يكون الكلام فيه نوع من الإنصاف لابد أن نذكر أن التيار السلفي ذاته ليس مدرسة فكرية متوحدة بل داخله أطياف عدة فالتيار السلفي في الإسكندرية كان يرى أن الإشتراك في الإنتخابات حرام شرعاً ومن أراد دليلاً فليراجع كتابات د / محمد إسماعيل المقدم وشريطه التوحيد أولاً أما التيار السلفي في دمنهور فكان يرى بجواز ترشيح من يحمل الفكرة الإسلامية والبعض الآخر منهم كان يرى بإعتزال الإنتخابات على أنها عمل ليس من ورائه طائل ، ومن عجيب الأمر أن التيار السلفي فجأة وبلا مقدمات إقتنع بالعمل السياسي بعد ثورة يناير 2011 وكونوا حزباً على الفور وأنا أرى أن تكوينهم الحزب من باب حتى لا تسبقهم الأحداث وحتى لا يكونون بمعزل عنها غير أنهم دخلوا في السياسة مفتقدين للسياسة ذاتها ولمهارة الخطاب السياسي مما يجعل تصريحاتهم تسيئ وتحسب على الحركة الإسلامية ككل ( أعني بذلك تصريحات الشيخ / محمد حسين يعقوب عن غزوة الصنايق ومن لم يقل نعم فليبحث له عن وطن آخر ) هذا مع جليل إحترامنا وتقديرنا للتيار السلفي ورموزه
2-طيف كان يرى بكفر الحاكم وضرورة تغييره بالقوة وإسقاط نظامه وهدر دمه - أعني بذلك تنظيم الجهاد وتحديداً عبود الزمر ومجموعته - والمفاجأة ان هذا التيار أيضاً ليس فصيلاً واحدا فكما هو معروف أن الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد فكر واحد مع إختلاف بسيط في الآليات التربوية والتعبوية إلا أنهما لا يصنفان ضمن تصنيف الإسلام السياسي ، وكما هو معروف أن الجماعة الإسلامية وما حدث من مراجعات لقياداتها في سجون النظام البائد قد رجعت عن فكرة تبني العنف أما عبود الزمر ومجموعته وكما ظهر من تصريحاته بعد خروجه من السجن أن الفكرة ما زالت مطروحة إذا لم توجد آلية لتقويم الحاكم ، هذا الطيف أيضاً رأي في ظلال ثورة 25 يناير أن يكون حزباً وهذا الطيف أيضاً لا خبرة له في العمل السياسي ولم يشترك فيه من ذي قبل مما يعني إفتقاده لما إفتقده الطيف الأول بل ربما أشد
3- طيف لم يكن يعير الإنتخابات أدنى إهتمام وكان يرى ما يراه الحاكم وأن البيعة له واجبه وانه أمير المؤمنين وما إلى ذلك من هذه التصورات التي يغايرها الواقع أعني بهذا الطيف هم الصوفيون وهذا الفصيل إذا كان الفصيلان الأوليان دخلاء على العملية السياسية فهذا أشد دخلاً لأن نظرته للإسلام لا تعدو كونه مجموعة من الطقوس والترانيم والجلسات لا أبعد أما عن كونه منهج حياه فعندهم من يرى هذا الأمر فقد أبعد وأغرب وهرب إلى غير مهرب
4- طيف رأى من نشأته بأن الإسلام دين شامل يشمل كل مظاهر الحياة جميعاً وأن الإنتخابات أسلوب من أساليب الإصلاح السياسي هؤلاء هم الإخوان المسلمون وهم أصحاب خبرة في العملية السياسية منذ أيام الإمام حسن البنا وهم أصحاب رؤية واضحة وخبرة طويلة في هذا المجال وهم كانوا يشتركون في الإنتخابات وقت أن كانت أطياف الحركة الإسلامية الأخرى تعيب عليهم هذا الأمر وهم يملكون من الكوادر والطاقات ما يمكنهم من الإشتراك القوي في المرحلة القادمة
5- طيف إنفصل عن الطيف السابق وهم وطلبوا تكوين حزب في ظل النظام السابق غير أنهم لم يسمح لهم أعني بذلك حزب الوسط ومؤسسه المهندس أبو العلا ماضي وهذا الطيف لا يرى له وجوداً إلا في ظل مهاجمة الطيف السابق بمعنى أن نظرية ظهوره مبنية على القدح في الطيف السابق أما هو فالتشكك كبير في قدراته من حيث الطاقات والقدرات والإمكانيات
هذا التقسيم ليس من هدفه ترجيح فصيل على فصيل وإنما إبراز أن الحركة الإسلامية ليس فصيلاً واحداً إنما أطياف متعددة وهذا من شانه أن ينقلنا إلى الحديث عن التحديات التي تواجهها جماعات الإسلام السياسي نبينها فيما يلي :
1- أوضحنا وأبرزنا أن جميع الأطياف ( عدا الإخوان المسلمون ) السابقة ليس لها الخبرة السياسية ولا تمتلك مهارة الخطاب السياسي مما يعني أنه في حالة التنافس الإنتخابي فمن الوارد أن تقع تجاوزات في طريقة الدعاية والخطاب الجماهيري بل وربما نصل إلى تخطيئ بعضهم البعض وفكرة إحتكار الحقيقة والفكر الإقصائي الأحادي بل وربما يصل الأمر إلى درجة إتهام البعض بالتفريط والترخص بل والتكفير إذا إحتدم الخلاف
2- من المعلوم أن بعض قوانين العلوم الإجتماعية تنطبق على حياة الناس وتسري سرياناً حتمياً ففي علم الإقتصاد مثلاً قانوناً يقضي بأن النقد الردئ يطرد النقد الجيد من التداول " وحتي يفهم غير المختصون بهذا العلم هذا القانون نبسطه بعض الشيئ حيث كان الناس يتداولون الذهب كنقد ويتداولون معه معدن آخر كنقد فالذهب هو النقد الجيد والآخر هو الردئ ، فكان الناس لثقتهم في الذهب يدخرونه ويتداولون المعدن الآخر حتي ينسحب الذهب من التداول ويبقى النقد الردئ ، فإذا سرى هذا القانون على الحياة السايسية المصرية بعد ثورة 25 يناير فمن الممكن أن يؤدي تزاحم الأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية - وهي أحزاب ناشئة تبحث لنفسها عن مؤطئ قدم - مع الجماعة الأم إلى إقصائها من الحياة السياسية أو حتى على الأقل إضعاف تمثيلها ، وقد كان النظام المصري السابق يدرس بتخوف شديد إستخدام حزب الوسط كبديل إسلامي عن جماعة الإخوان المسلمين
3- غير خاف أن الإخوان المسلمون كانوا هم أصحاب الطرح الإسلامي الوحيد في الحياة السياسية أما بعد تكون هذه الأحزاب وكلها ذات مرجعية دينية فمن المتوقع أن يتم تفتيت الكتلة التصويتية التي كانت تذهب للإخوان المسلمين بحكم أنهم أصحاب الطرح الإسلامي الوحيد في ضوء التحليل السابق أرى أن هذا التشكيل للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية يلقي تبعات ثقيلة على كاهل الجماعة الأم من حيث وجوب تطوير طريقة الخطاب الجماهيري وطريقة الربط العام والكتلة التصويتية وفي الجملة لابد من تقديم نفسها في طور جديد يتواكب مع فكر الثورة ومع اللاعبين الجدد في الساحة الساسية
4- بإفتراض أنه في إنتخابات حرة جاء أحد هذه الإحزاب إلى سدة الحكم وهم جميعهم لا يملكون برنامج عمل واضح يمكن تطبيقه في حال وصولهم إلى الحكم وعن كيفية تطبيق الإسلام كمنهج حكم مما يعني أن هذه الأحزاب تكونت قبل أن تتكون رؤاها
5- فكرة نشوء هذه الأحزاب في حد ذاتها تحد واضح لبعضها البعض فالخلاف بين من يحملون نفس المرجعية قد يجعله مطعناً في المرجعية ذاتها عند أصحاب الإتجاه الآخر - العلمانيين - بل وعند رجل الشارع العادي حيث من الممكن أن يؤدي تناحر أصحاب المرجعية الواحدة إلى تشكك الناخب في مصداقية ما يدعون إليه من مبادئ أضف إلى ذلك أن هذه الأحزاب ذات المرجعية الواحدة لم تتفق فيما بينها على آليات عمل أو حتى على أدبيات خلاف
6- من الممكن أن تستخدم هذه الفرقة بين أصحاب المرجعية الواحدة من أصحاب الميكافيلية السياسية إلى تدمير هذه الأحزاب بعضها بعضاً والقضاء عليها الواحد تلو الآخر وقد أشرنا إلى محاولة النظام المصري السابق
7- فكرة الفصل بين ما هو دعوي وما هو سياسي مازالت غير واضحة حتى الآن من حيث خضوع حزب العدالة و الحرية وهو حزب جماعة الإخوان المسلمون ، عن مدى خضوع هذا الحزب للجماعة من حيث كنها جماعة دينية تتبنى الإسلام كمنهج والتربية كأسلوب عمل ، وما هي الآليات التي تضمن عدم حيود هذا الحزب عن خط الجماعة ، وهل من الممكن أن يتولى أحد غير المسلمين أو أحد غير الإخوان المسلمين لرئاسة هذا الحزب كل هذه الأمور لا بد أن تطرح وتعلن للناس حتى يكونوا على بينة من أمرهم
نلتقي في مرة أخرى بإذن الله تعالى