السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في ظلال هذه الأيام المباركة التي نعيش فيها عبق ذكرى حادثة الهجرة على صاحبها أفضل الصلوات وأتم التسليمات نود أن نستعرض محاور النقل في هذه الحادثة وفي حياة الأمة الإسلامية الناشئة في ذلك الوقت ، فليست محاور النقل التي نركز عليها تخص حدث الهجرة فقط بل هي نقل وتحويل لحياة الأمة الإسلامية قاطبة ولو شئنا لقلنا إلى يومنا هذا ، ومن معاني محور النقل أيضا أن تأثيره ليس فقط على مسار الحدث ولكنه لولا وجوده ما حدث الحدث ، سنركز بإذن الله على هذه المحاور تباعا بإذن الله إن كان في العمر بقية ، نقول وبالله التوفيق : أول هذه المحاور هي :
الأنصار رضي الله عنهم :
هؤلاء القوم رضي الله عنهم لابد أن نتوقف عندهم بنوع من التحليل والنظرة المتأملة التي أرى أنها أيا كانت لا توفيهم حقهم فقد قبلوا الرسالة وقبلوا المهاجرين - الوافدين الجدد على مجتمعهم - دون أدنى غضاضة ولا كراهة ولم ترو حاثة واحدة تدلل وتبرهن أن أنصاريا صدرت منه كلمة تأفف ولا تضجر من هؤلاء الوافدين بل فتحوا لهم أذرعهم وبيوتهم وأموالهم وعن طيب خاطر ، يا أحباب لا نود أن يمر هذا الموقف مر الكرام دونما تحليل فمن عادات الناس أن كل واحد يدافع عن ملكيته الخاصة ويقاتل عنها ويدفع روحه ثمنا لها نأخذ مثلا وهو مثل سعد بن الربيع وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عن الجميع جاء له بماله وبزوجتيه فقال له هذا مالي خذ نصفه وهاتي زوجتي أختر أيهما أحب إليك فأطلقها فتقضي عدتها ثم تتزوجها فقال له بارك الله في مالك وزوجاتك ، دلني على السوق ...... أنظر أنه يعرض عليه ماله وزوجاته وهل هناك ما هو أعز على المرؤ من ماله وزوجاته أنه يعرضهما عليه وعن طيب خاطر ودونما أدنى خصاصة يقول الله تعالى في هذا الخصوص " والذين تبوءو الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فألئك هم المفلحون " سورة الحشر ، نعم لقد نفوا عن أنفسهم الشح والبخل ونقوا أنفسهم منه أحسن ما تكون التنقية ، تروي كتب السيرة فتقول ما نزل مهاجري على أنصاري إلا بقرعة ، أي أنهم كانوا يتنازعون فيما بينهم على المهاجرين حتى ينزلوا عندهم ولا يتهربون منهم بل ولم يتركوا الأمر للرسول صلى الله عليه وسلم حتى يحدد من ينزل على من ولكن كانوا يتنازعون إقامة المهاجرين عندهم وما موقف نزول رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أبي أيوب الأنصاري خالد بن زيد رضي الله عنه منا ببعيد هذه واحدة
الأخرى أنهم في بيعة العقبة عقدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عقدا وبيعية مفادهما - وأود أن نتوقف قليلا مع هذه البيعة وهذا العقد حتى ندرك مقدار هؤلاء القوم - أن يمنعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يمنعوا منه أنفسهم ونساءهم ولا شيء لهم بتاتا في الدنيا ، لا شيء لهم في الدنيا وإنما الجزاء في الآخرة ، وقبلوا راضين مطمئنين دونما تطلع إلى مغنم من مغانم الدنيا ، عن محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه عن عبد الله بن رواحة رضي الله عنه أن الأنصار قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة إشترط لربك ولنفسك ما شئت ، قال أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعوا منه أنفسكم ونساءكم ، فقالوا ما لنا إن فعلنا ذلك ؟ قال : الجنة ، فقالوا ربح البيع ولا نقيل ولا نستقيل ، " وفي رواية البيهقي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال " فقام إليه أسعد بن زراره وهو أصغر السبعين إلا أنا فقال لهم رويدكم أهل يثرب فإنا لم نضرب إليه أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله ، وأن إخراجه اليوم مناوأة للعرب كافة وقتل خياركم وتعضدكم السيوف ، فإما أنكم قوم تخافون من أنفسكم خيفة فبينوا ذلك فهو أعذر لكم عند ربكم وإما أنكم تأخذوه فخذوه وأجركم عند الله فقالوا : أبطئ عنا يا أسعد فوالله لا ندع هذه البيعة ولا نسلبها أبدا " تتفق الرويتان على تمسكهم الشديد بالبيعة مع علمهم بما سيحدث لهم والدليل على ذلك فقه أصغرهم - أسعد بن زراره- فما بالك بفقه الكبير فيهم ، والأعجب من ذلك هو قولهم " ربح البيع ولا نقيل ولا نستقيل " أي لا نرجع في البيعة ولا نتركك ترجع " والرواية الثانية تبين شدة الإصرار عليها " فوالله لا ندع هذه البيعة ولا نسلبها أبدا " .... إصرار شديد مع العلم بمخاطر البيعة والأعجب من ذلك أيضا هو الجزاء على هذه البيعة كجزاء أخروي وفقط وأريد أن نحتفظ بهذه النقطة في الذاكرة لأنها كانت محور من المحاور التربوية في شخصياتهم حتى آخر حياته صلي الله عليه وسلم
أخيرا بعد غزوة حنين وبعد أن أستقر الأمر وزع النبي صلى الله عليه وسلم الغنائم على مسلمة الفتح - الحديثى عهد بالإسلام - وعلى المهاجرين ولم يعط الأنصار شيئا يا إلهي .... لم يعطهم شئيا من غنيمة الحرب.... حتى أن سعد بن عبادة رضي الله عنه قال يا رسول الله وجد هذا الحي من الأنصار عليك - وجد عليه أي هناك شيء في صدره عليه وذلك بسبب الغنائم وتوزيعها - فقال صلى الله عليه وسلم " فكيف أنت يا سعد ؟ قال : أنا رجل من قومي ... أي أنا واحد منهم أجد في نفسي ما يجدون ، فقال صلى الله عليه وسلم إجمع لي الأنصار في هذه الحظيرة ودار هذا الحوار المهيب ، قال صلى الله عليه " يا معشر الأنصار تكلموا فلو قلتم لصدقتم وصدقتكم جئتنا طريدا فآويناك وجئتنا عالة فواسينا فقالوا المن لله ورسوله - في أدب وتواضع جامين - ثم قال صلى الله عليه وسلم ولو شئت لقلت جئتكم ضللا فهداكم الله وجئتكم أذلاء فأعزكم الله ، أما ترضون أن يرجع الناس بالشاة والبعير وترجعون برسول الله في رحالكم ، أمن أجل لعاعة تألفت بها قلوب قوم ليسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم ، فلو سلك الناس شعبا وسلك الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار ، ولولا الهجرة لكنت إمرؤا من الأنصار ، اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار وظل يدعوا لهم حتى بكوا وأخضلت لحاهم وقالوا رضينا برسول الله حظا وقسما ، أنه يردهم صلى الله عليه وسلم إلى بنود البيعة الأولى التي بايعوا عليها حيث لا أجر في الدنيا وإنما الأجر كله في الآخرة ، وما أعظمها من مكافأة أن يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم بلدته ومسقط رأسه ويعود معهم إلى ديارهم
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " آية الإيمان حب الأنصار ، وآية النفاق بغض الأنصار " صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
نلتقي في مرة أخرى بإذن الله تعالى
No comments:
Post a Comment