السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بعد حرب طاحنة دامت قرابة الإثنين وعشرين يوما أعلنت إسرائيل وقف إطراق النار من جانب واحد معلنة بذلك وقف الحرب بعدما حققت أهدافها على حد زعمها !!! في تصرف يحتاج إلى تحليل وتفسير وتنبؤ بما تكون عليه الأمور قبل وبعد هذه الحرب وخرجت بعدها حركة حماس لتعلن إنتصارها في هذه المواجهة نحاول في هذا التحليل ذو الشق العسكري والسياسي أن نلقى بعض الضوء على هذه المواجهة نقول وبالله التوفقيق :
أدارت إسرائيل هذه الحرب من خلال محددات وضعتها أو ربما فرضت عليها جعلت خطة الحرب تسير وتنتهي بشكل حير كل المحللين العسكريين والسياسين على حد سواء وتضاربت أقوالهم وتحليلاتهم عن الهجوم البري هل سيتم أو لا يتم هذه المحددات هي :
1-تجربة حرب لبنان والمواجهة مع حزب الله 2006 :
لاشك أن إسرائيل إستفادت من هذه المواجهة حيث قامت بالتعتيم الإعلامي حول حجم الخسائر الإسرائيلية في هذه المواجهة العسكرية بل واللجوء في بعض الأحيان إلى الكذب الإعلامي بالتهوين من حجم المقاومة الفلسطينية وتأثير الصواريخ الساقطة على على المغتصبات الصهيونية وهذا ما يعرف عسكريا بالحرب النفسية أو دعم الروح المعنوية للجنود الإسرائلين على الصعيد العسكري ودعم الجبهة الداخلية للمواطن الإسرائيلي على الصعيد الداخلي إلا أن هذا الأمر ألقى ظلالا من الشك على مصداقية هذا الإعلام في مواجهة بيانات حركة حماس ومتحدثها أبو عبيدة الذي كان يعلن بكل صراحة عن حجم الشهداء والدمار الذي خلفه الهجوم الإسرائيلي
2-الإدارة الأمريكية الجديدة
معلوم للقاصي والداني أن الإدارة الأمريكية الجديدة - باراك أوباما - سيتولى مقاليد الأمور بالبيت الأبيض في 20 يناير فكان واضحا أن هذا الأمر ربما يمثل سقفا زمنيا للعملية العسكرية ككل ، فالإدارة القادمة إدارة ديمقراطية بعكس إدارة جورج بوش الجمهورية المعروفة بدعمها للإسرائيل عسكريا وسياسيا وإقتصاديا ، فلربما تعرقل هذه الإدارة الجديدة العملية العسكرية الإسرائيلية ومساراتها
3-الإنتخابات الإسرائيلية :
الإنتخابات الوزارية الإسرائيلية القادمة هذه أيضا فرضت نفسها كمحدد زمني على مسار العميلية العسكرية الإسرائيلية ، فإيهود أولمرت لم يرشح نفسه للإنتخابات في حين تتنافس كل من تسيبي ليفني وبنيامين نتنياهو على رئاسة مجلس الوزراء ، فكان أولمرت يبحث لنفسه عن نصر أي نصر يحفظ ماء وجهة بعد الفضائح المالية والهزيمة العسكرية في لبنان 2006 حسب تقارير المؤسسة العسكرية الإسرائلية ذاتها فجاءت الحرب في جملتها على أنها دعاية لكل من تسيبي ليفني المرشحة للإنتخابات الوزراء وإيهود أولمرت في صورة المنقذ للمواطن الإسرائيلي
4-الأهداف المعلنة والغير معلنة للعملية العسكرية :
من المعلوم أن كل عملية عسكرية لابد لها من أهداف من أجلها تقوم ، وأن أي حرب لا تقوم إلا بقرار سياسي وبهدف سياسي أو من أجل خلق موقف سياسي ، هذه مسلمات لابد من الأتفاق عليها قبل أن نشرع في الكلام عن الأهداف الإسرائيلية للعملية العسكرية ، ففي هذه النقطة فرضت إسرائيل تمويها واضحا حول الهدف من العملية العسكرية مما يعفيها من المحاسبة في حال الإخفاق - على الأقل على الصعيد الداخلي - ويضمن لها التصريح بنجاح عمليتها العسكرية دون رقيب على قولها وكذلك إنهاء الحرب متى شاءت وذلك طبعا إستفادة من تجربة لبنان 2006
كل هذه المحددات وضعتها إسرائيل حتى تضمن لها إنهاء العملية متى شاءت والخروج من المأزق متى أحبت ووضح ذلك من تصريح أيهود باراك بعد مضي حوالي أسبوع من العملية العسكرية عن البحث عن كيفية إنهاء العملية العسكرية ، يتضح من ذلك أن الذين خططوا للعملية العسكرية خططوا لكيفية إنهائها قبل بدايتها ، هذا يفسر إتخاذ إسرائيل لقرار وقف إطلاق النار من جانب واحد بعد التشاور مع الإدارة الأمريكية في هذا التوقيت وهذا التوقيت بالذات .
والسؤال الآن من هو المنتصر في هذه الحرب الآن ؟؟؟
هذا السؤال يعاني لغطا شديدا وأخذا وجذبا بين المحللين العسكريين والسياسين ، غير أنه كما قلنا أن نتيجة أي حرب تتحد بالهدف منها فالسؤال الآن لماذا قامت إسرائيل بالعدوان على غزة ؟؟؟؟ أو ما هي الأهداف الحقيقية للحرب على غزة ؟؟؟ قالت وزراة الدفاع الإسرائيلية أن الهدف من الحرب ما يلي :
1- وقف إطلاق الصواريخ الفلسطينية ( وهذا لم يتحقق ) وشاهد ذلك إستمرار الفصائل الفلسطينية في إطلاق الصواريخ حتى آخر يوم في الحرب
2- توفير الأمن للمواطن الإسرائيلي ( وهذا أيضا لم يتحقق ) مع إستمرار إطلاق الصواريخ على المغتصبات وتوسيع بقعة الزيت اللاهب كما قالت حماس ، وقضاء المواطن الإسرائيلي معظم وقته في المخابئ والملاجئ كلما دوت صفارات الإنذار
3-الإطاحة بحكومة حماس ( وهذا أيضا لم تحقق ) بل بدا الأمر بصورة عكسية حيث زاد ثبات الشعب وإلتفافه حول قيادات حماس ، ومن المثير للسخرية في هذه النقطة محاولة الإعلام الإسرائيلي دق إسفين بين الشعب وقيادته بالقول أن قيادة حماس تدعوا الشعب للصمود بينما هي تختبئ في القصور ، فشاء الله تعالى أن يأتي إستشهاد الدكتور نزار ريان وسعيد صيام في رد واضح على هذه المزاعم
4-إعادة إحتلال عزة ( وهذا أيضا لم يتحقق) بل وبدا من أداء الجيش الإسرائيلي أنه يتحاشي الدخول في مواجة صريحة مع مقاتلي الفصائل الفلسطينية وذلك عن طريق إستخدام أسلوب معروف عسكريا بأنه - أسلوب الإستطلاع بالقوة -حيث تقوم الوحدة المهاجمة بإستخدام المدرعات بفتح نيرانيها على القوات المتخندقة والأكمنة وهذا من شأنه إستطلاع حجم هذه القوات وإكتشاف أماكنها وتفويت فرصة المباغتة عليها وإحداث بعض الأضرار ولو جزئية بها ، فقامت القوات الإسرائيلية بإستخدام هذا الأسلوب ، رغم أن ما يحتاج إلى تفسير عسكري هو لماذا كررت إسرائيل إستخدام هذا الأسلوب وبحجم قوات أكبر رغم أن هذا الأسلوب عسكريا يستخدم في حدود فصلية مدرعة وليس هذا الحجم من القوات ، إستخدمت إسرائيلي هذا الأسلوب وذلك لما يلي :
1- الحد من خسائرها في المعدادت والأفراد وذلك بالهجوم ثم الإنسحاب والعودة مرة أخرى إلى نقاط التمركز
2- الهروب من التورط في معارك مدن صريحة تكون غير معروفة النتيجة وغير مأمونة الجانب حيث أنها بإستطلاعها لحجم القوات المتخندقة والكمائن صرح قائد العملية الإسرائيلية أن عزة مدينة مفخخة أو مدينة متفجرات ، ففي حالة التورط في معارك مدن ستكون الخسائر كبيرة فضلا عن عدم إستطاعة الجيش الإسرائيلي وضع سيناريو نهاية للمعركة
3-في حالة إقتحام الجيش الإسرائيلي لعزة فإن ذلك سيخرج أسلحة التميز الإسرائيلية خارج المعركة ويجعلها عديمة الجدوى وهي سلاح الطيران وسلاح المدفعية وسلاح المدرعات حيث تنعدم فاعلية سلاح الطيران وسلاح المدفعية في حالة القتال المتلاحم وذلك لعدم إمكانية إستخدامه عند إختلاط القوات ومجابهة سلاح المدرعات لقوات متخندقة وألغام أرضية وقذائف مضادة
4-رغبة إسرائيل في المحافظة على هيبتها كقوة عظمى إقليمة وعدم الإشتراك في مواجهة تهز من صورتها العسكرية
كل هذه العوامل جعلت إسرائيل تدير الحرب بأسلوب الإستطلاع بالقوة وليس أسلوب الإقتحام ، وهذه العوامل السابقة تحسب للمقاومة الفلسطينية أنها فرضت موقفا على الجيش الإسرائيلي يضعه في حساباته عند التفكير في مهاجمة عزة مرة أخرى ، ووضح وضوحا ساطعا أن نقطة الضعف الإسرائيلية الواضحة هي العسكري الإسرائيلي الضعيف الهذيل الغير قادر على المواجهة والإقتحام رغم ما يخدمة من تكنولوجيا وأسلحة حديثة ، أرادت أسرائيل المحافظة على تفوقها الجوي المتمثل في سلاح الطيران بعدما أشركت ما يقرب من نصف سلاح الطيران الإسرائيلي تقريبا حسب بيانات وزارة الدفاع الإسرائيلية فلم تشتبك إشتباكا مباشرا مع المقاتلين الفلسطينين ، ولو إفترضنا مثلا أن المقاتلين الفلسطينين يمتلكون وسائل الدفاع الجوى والمقاومات الأرضية المناسبة لهذا الطيران لكان للأمر رؤية أخرى
أرى أن الهدف الإسرائيلي الحقيقي والغير معلن من هذه الحرب هو :
1- عقاب الفلسطينين في عزة على تمسكهم بحكومة حماس وإلتفافهم حولها وهذا يؤيده ويفسره ضربات الطيران الموجهة إلى المدنين وأعداد المدنين بين قتلى وجرحى
2-تدمير البنية التحتية لغزة وحكومة حماس وهذا يؤيده تدمير خمسة آلاف منزل تدميرا كليا وتدمير ستة عشر ألف منزل تدميرا جزئيا وكذلك تدمير الوزارات والجامعة والمساجد والمستشفيات وتوجيه بعض الضربات حتى للمقابر ، مما يعني خلق وضع بعد الحرب يصعب على حكومة حماس في ظل الحصار الدولي علاجه ، فإذا كانت حماس قد إستطاعت الإستمرار منذ بداية الحصار في يوليو 2007 حتى الآن وذلك عن طريق مصادر تمويل معظمها من المعونات فهذه المعونات لن تكفي لإعادة الإعمار فضلا عن تسيير الحياة العادية في عزة هذا حسب تصور المخطط الإسرائيلي
3-في رايي أن هدف الحرب الأساسي هو إحكام الحصار حول غزة وذلك بضرب إنفاق التهريب الحدودية مع مصر وإثارة الرأي الدولي حول تهريب الإسلحة من رفح إلى غزة بل وتهريب المعدات والمستلزمات الطبية الأغذية مما يضعف الحصار وهذا حسب زعم تسيبي ليفني وزيرة الخارجية
4-خلق وضع عسكري يمكن إسرائيل بالبدء بالحرب متى شاءت دون قيد أو شرط
وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لم تقم إسرائيل بإعلان أجندة الأهداف هذه للرأي العام ؟؟؟ الإجابة أن أجندة الأهداف هذه تحوي أهدافا قذرة ربما تثير المجتمع الدولي عليها ويحول بينها وبين أتمامها
في رأيي أن حركة حماس إذا إستطاعت أن تتغلب على تحديات ما بعد الحرب وهي :
1- الإقتصاد المدمر الذي يبحث عن نقطة البدء مرة أخرى
2-إعادة البنية التحية للدولة
3-رفض دول الإتحاد الأوربي التعاون مع حكومة حماس لإعادة إعمار غزة
4-إهتزاز الجبهة الداخلية من جراء الدمارالبشري والمادي للحرب
5-الحصار الدولي وتعمق وطأته
إذا إستطاعت حماس التغلب على هذه المحددات فبحق ستكون منتصرة نصرا باهرا على الجيش الإسرائيلي أما إذا أخفقت فمن الصعب القول أنها أنتصرت ، نعم في الثبات وفرض الإرادة وكسر إرادة الخصم ذاتها نصر إلا أن الأمور تحدد بتائجها ، أما إسرائيل ففي رأيي لم يكن لديها ما تخسره في هذه المعركة فالحكومة ستتبدل والخسائر المالية تدفعها أمريكا والمواطن الإسرائيلي قد تمت التعمية عليه
والله من ورائهم محيط
نلتقى في مرة أخرى بإذن الله تعالى
No comments:
Post a Comment