Friday, August 7, 2009

لحن الحجة ولي عنق الحقيقة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لا تخلو حياة المرؤ من خصومة أو عداوة تقع بينه وبين أحد الناس ، وليس الخطر في الخصومةوإنما الخطر فيما يترتب عليها ، فقد يدفعه حب الإنتصار لنفسه والفوز في هذا الموقف إلى الخروج عن دائرة الحق والسقوط في الإثم وهذا ما نود تحليله في هذا المقال

إستهلال:

كان من دعاء النبي صلى الله عليه عليه وسلم " .... أسألك كلمة الحق في الغضب والرضا " صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجمهور الناس على عكس ذلك بمعنى أن من رضي عنك أذاع خيرك وكتم شرك وهو هو نفس الشخص إذا غضب عليك أذاع شرك وستر وجحد خيرك ، والمقسطون الذين هم على منابر من نور على يمين الرحمن وكلتا يدي الرحمن يمين كما جاء في حديثه صلى الله عليه وسلم هم الذين يعدلون في أنفسهم وأهليهم وما ولوا ، وقمة العدالة أن تكون مع الخصم ، وقمة العدالة أن تكون مع العدو

( 2 ) صور العدالة :

للعدالة صور كثيرة لا يختلف حولها الناس ولكن قلنا أن أهم صور العدالة نلخصها فيما يلي :

1-العدل مع الخصم حتى لو على النفس وذوي القربى :

الآية : 135 في سورة النساء {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً}

جاء في تفسير القرطبي في هذه الآية أن السلف الصالح رضوان الله عليهم كانوا يجيزون شهادة الزوجة لزوجها وشهادة الزوج لزوجته وشهادة الوالدين للولد والولد للوالدين ولما أحدث الناس أمور تغيرت بها العدالة وظهرت المنفعة من وراء الشهادة أبطلواهذه الشهادة هذه واحدة، يقول عبد الله بن عباس رضي الله عنه في تعليقه على هذه الآيه "أمروا أن يقولوا الحق ولو على أنفسهم " المعنى متضح هو أن ترسي الحقيقة وتظهرها وتجليها حتى ولو كانت هذه الحقيقة ضد مصلحة الإنسان أو والديه أو الأقربين بل ولربما فيها هلاكه وفي هذا يقول القرآن في سورة المائدة " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بل القسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا ، إعدلوا هو أقرب للتقوى وإتقوا الله إن الله خبير بما تعملون " سورة المائدة الآية رقم ( 8 ) جاء فيها أيضا في تفسير القرطبي "
ودلت الآية أيضا على أن كفر الكافر لا يمنع من العدل عليه ، وأن يقتصر بهم على المستحق من القتال والاسترقاق ، وأن المثلة بهم غير جائزة وإن قتلوا نساءنا وأطفالنا وغمونا بذلك ؛ فليس لنا أن نقتلهم بمثله قصدا لإيصال الغم والحزن إليهم ؛ وإليه أشار عبد الله بن رواحة بقوله في القصة المشهورة : هذا معنى الآية. وتقدم في صدر هذه السورة معنى قوله : { وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ } . وقرئ { وَلا يُجْرِمَنَّكُمْ } قال الكسائي : هما لغتان. وقال الزجاج : معنى { لا يُجْرِمَنَّكُمْ } لا يدخلنكم في الجرم ؛ كما تقول : آثمني أي أدخلني في الإثم. ومعنى { هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } أي لأن تتقوا الله. وقيل : لأن تتقوا النار." أي لا يجوز معاملة الأعداء بمثل معاملتهم ولا إنتهاج نهجهم من المناهج والأساليب الباطلة لإيصال الإيذاء إليهم كما آذوا المسلمين وفي هذا إشعار للعدالة مع الأعداء أيما إشعار

( 2) - العدل في إستيفاء الحق :

فمن صور العدالة مع الخصم العدل في إستيفاء الحق وعدم الزيادة عليه فيأخذ أكثر من حقه كما في قصة إستشهاد حمزة رضي الله عنه فقد أقسم النبي صلى الله عليه وسلم لما رأي عمه رضي الله عنه مقتولا ممثلا به ليمثلن بسبعين من المشركين وقال " والله ما أوقفتني قريش موقفا هو أغيظ لي من هذا الموقف " ولما رأي المسلمون ذلك كلهم أقسموا كقسم النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية " وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين " سورة النحل والصبر خير من أخذ الحق أيضا في سورة البقرة في قول الله تعالى "الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن إعتدى عليكم فاعتدو عليه بمثل ما أعتدى عليكم واتقوا الله وأعلموا أن الله مع المتقين " سورة البقرة آية ( 194 )

( 3) - العدالة في عرض الحجة :

فعلى المرؤ أن يأتي بحجته مجردة عن الإنطباعات الشخصية أو التنميقات أو فصاحة اللسان وحلاوة البيان أو ما إلى ذلك من الأساليب الإعلامية التي يكون من شأنها لي عنق الحقيقة وصرف أنظار الناس إليه على أنه صاحب الحق وهو غير ذلك أو قد يكون صاحب جزء من الحق ويحاول بحجته وأسلوبه وبيانه أن يأخذ الجزء الآخر فكل ذلك مما نهى عنه الشرع الحنيف والسنة المطهرة ، وما أساليب وسائل الإعلام من صحافة وجرائد ومجلات وإذاعة وتلفزيون ومواقع نت بخافية أو بعيدة فقد يكون الشخص صاحب حق ويصوره الإعلام على أنه مجرم عتيد الإجرام وهذا كله حرام ولو إنتهج المظلوم هذا الأسلوب محاولة إلى وصوله إلى حقه أو بعض حقه لوقع بذلك في الحرام ،، وجاء في كتاب صحيح البخاري ‏حَدَّثَنَا ‏ ‏عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏مَالِكٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أَبِيهِ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏زَيْنَبَ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏أُمِّ سَلَمَةَ ‏ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ‏ ‏أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ ‏ ‏أَلْحَنُ ‏ ‏بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ فَلَا يَأْخُذْهَا ‏" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا جاء الحديث بروايات متعدد نسوقها للفائدة:

( 1 ) حدثنا أبو بكر قال حدثنا وكيع قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنكم تختصمون إلي ، وإنما أنا بشر ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، وإنما أقضي بينكم على نحو مما أسمع منكم ، فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فلا يأخذه ، فإنما أقطع له قطعة من النار يأتي بها يوم القيامة .

( 2 ) حدثنا أبو بكر قال حدثنا وكيع قال حدثنا أسامة بن زيد الليثي عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن أم سلمة قالت : جاء رجلان من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم يختصمان في مواريث بينهما قد درست ليس لهما بينة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنكم تختصمون إلي ، وإنما أنا بشر ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، وإنما أقضي بينكم على نحو مما أسمع منكم ، فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فلا يأخذه ، فإنما أقطع له به قطعة من النار ، يأتي بها إسطاما في عنقه يوم القيامة ، قالت : فبكى الرجلان وقال كل منهما : حقي لأخي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما إذ فعلتما فاذهبا واقتسما وتوخيا الحق ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه .

( 3 ) حدثنا أبو بكر قال حدثنا محمد بن بشر الغنوي قال حدثنا محمد بن عمرو قال حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما أنا بشر ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، فمن قطعت له من حق أخيه قطعة فإنما أقطع له قطعة من النار [ ص: 357 ]

( 4 ) حدثنا أبو بكر قال حدثنا وكيع قال حدثنا ابن عون عن إبراهيم عن شريح أنه كان يقول للخصوم : سيعلم الظالمون حق من نقصوا ، إن الظالم ينتظر العقاب ، وإن المظلوم ينتظر النصر .

( 5 ) حدثنا أبو بكر قال حدثنا ابن أبي زائدة عن عوف عن محمد قال : كان شريح مما يقول للخصيم : يا عبد الله ، والله إني لأقضي لك وإني لأظنك ظالما ، ولكني لست أقضي بالظن ، ولكن أقضي بما أحضرني ، وإن قضائي لا يحل لك ما حرم عليك .

من ثنايا الحديث فمن اللحن بالحجة إستغلال جهل القاضي أو السامع بمسألة معية والتوسع في ذكر تفاصيلها ومن اللحن بالحجة توسيع الأمر وتحميله ما لا يحتمل ومن اللحن في الحجة السبق بالشكوى ولبس لباس المظلوم وإدعاء الحق وفي هذا يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه " من جاء مفقوء العين فلا تحكم له فلربما فقأ عيني الآخر " يعني هذا أنه على السامع والقاضي ألا ينساق وراء التضليل الإعلامي الذي يحدث فلربما نسج أحد الخصمين حول نفسه غلالة من المسكنة وهو في الحقيقة كاذب أو ربما ظالم ومن أعظم الجنايات المبنية على رغبة النفس في الإنتقام والتشفي ولي عنق الحقيقة هي شهادة الزور واليمين الغموس وهي من قبيل لي عنق الحقيقة واللحن بالحجة أيضا فهما قد إتحدا في العلة وكما يقول علماء الأصول أن الإتحاد في العلة يعطي نفس الحكم ، اللاحن بحجته يلحن ليكسب موقفا كذلك الشاهد بالزور يشهد ليكسب شخص موقفا ربما يعود بالنفع عليه ومثله مثل الحالف باليمين الفاسقة ولهذا عدها النبي صلى الله عليه وسلم من الكبائر وعن أبي بكرة – – قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم : " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ( ثلاثاً ) ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : الإشراك بالله و عقوق الوالدين و جلس وكان متكئاً فقال : ألا و قول الزور " قال : فما زال يكررها حتى قلنا : ليته سكت ". رواه البخاري و مسلم ، قال ابن حجر في قوله: " و جلس و كان متكئاً " يشعر بأنه اهتم بذلك حتى جلس بعد أن كان متكئاً ، و يفيد ذلك تأكيد تحريم الزور وعظم قبحه ، و سبب الاهتمام بذلك كون قول الزور أو شهادة الزور أسهل وقوعاً على الناس ، و التهاون بها أكثر ، فإن الإشراك ينبو عنه قلب المسلم ، و العقوق يصرف عنه الطبع ، و أما الزور فالحوامل عليه كثيرة ، كالعداوة و الحسد وغيرها ، فاحتيج للاهتمام بتعظيمه و ليس ذلك لعظمها بالنسبة إلى ما ذكر معها من الإشراك قطعاً ، بل لكون مفسدة الزور متعدية إلى غير الشاهد بخلاف الشرك فإن مفسدته قاصرة غالباً.إنتهى

** الشاهد :
علينا جميعا أن نبتعد عن اللحن بالحجة وألا نعيب على الناس أفعالهم و نأتي بها فلك أن تتخيل أن أحد الناس كان خصما لك وفاقك في صياغة حجته وأنت صاحب الحق حتى عمى على القاضي الحقيقة وإنتزع حقك ماذا يكون شعورك تجاهه ؟؟؟
ألا هل بلغت .... اللهم فأشهد
نلتقي في مرة أخرى بإذن الله تعالى


2 comments:

أبو إبراهيم said...

بارك الله فيك أخي الكريم وأحب أيضا أن اضيف إلي حديثك الطيب ما جاء في سورة النساء من الآيات 105 إلي 115 ولعظيم الفائدة نرجع لتفسير الظلال فيهم فقد قال قولا جميلا

Anonymous said...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي الفاضل أبو إبراهيم
جزاك الله خيرا على هذه التذكرة فقد أنسيتها وهي الآيات التي تتكلم عن إقامة العدل ونصفة اليهودي من مسلم ، ما أحوجنا إلى عدالة الإسلام الحقة وليس العدالة حيث ثمت المصلحة
أشكرك