السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قد تصنع أحداث ومجريات الحياة من المرؤ قطارا لا يعرف إلا قضيباه الذان يمشي عليهما فلا يستطيع أن يحيد عنهما يمنة ولا يسرة ، فتراه يقطع سحابة يومه في عمل مضني ثم يؤول في نهاية يومه إلى فراشه قتيلا من التعب حتى يصبح حال المرؤ كما وصف في الحديث " حمار بالنهار جيفة بالليل " إلا من رحم ربي ، هذا القطار لا بد له حتى يخرج عن هذين القضيبين من شخص يملك عصا يستطيع بها أن يحول مساره ويخرجه عن مألوفه ، هذا " المحولجي " في حياتنا هنا " شهر رمضان المعظم " ، ولأمر ما جعل الله تعالى صيام رمضان فريضة ولم يجعله تطوعا ذلك لأنه لو جعله تطوعا لخف إليه أصحاب الهمم العالية فقط وهؤلاء في الناس قليل عن إبن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تجدون الناس كأبل مائة لا يجد الرجل فيها راحلة " صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ،رواه مسلم ، نحاول في هذه الإطلالة السريعة أن نستعرض كيف يستطيع شهر رمضان أن يغير حياتنا على كافة الأصعدة ؟؟ هذا طبعا إذا أمتثلنا لأمرربنا وأقتدينا بنبينا صلى الله عليه وسلم وكيف كان يصنع في شهر رمضان ، نقول وبالله التوفيق إن محاور التغيير في شهر رمضان هي :
المحور الأول :المحور الصحي :
قال الله تعالى في سورة البقرة " وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون " سورة البقرة الآية 184 ، نعم فالصيام خير ولكن ليس كلنا يعلم ذلك ولاحظ ذكر تفضيل الصيام بعد ذكر الرخصة بالفطر ، فرغم إباحة الفطر لأحوال الضرورة والعذر إلا أن الصوم خير ، وفي السنة حدَّثنا زهيرُ بنُ محمَّدٍ ، عنْ سهيلِ بنِ أبي صالحٍ ، عنْ أبيهِ ، عن أبي هُريرةَ ؛ قالَ : قالَ رسولُ اللَّهِ _ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ _ : " اغْزُوا تَغْنَمُوا ، وصُومُوا تَصِحُّوا ، وسَافِرُوا تَسْتَغْنُوا " .وَجَاءَ لفظُهُ عندَ أبي عروبةَ والعُقيليِّ : " اغْزُوا تَغْنَمُوا ، وصُومُوا تَصِحُّوا ، وسافِرُوا تَصِحُّوا " .واقتَصَرَ أبو نُعيمٍ عَلَى عبارةِ : " صُومُوا تَصِحُّوا " .قالَ الطَّبرانيُّ : " لَمْ يَرْوِ هَذَا الحديثَ عنْ سُهَيْلٍ _ بهذا اللَّفظِ _ إلاَّ زُهيرُ بنُ محمَّدٍ " . وفي القول الدارج على لسان العامة " جوعوا تصحوا " قال الطبيب العربي الحارث بن كلدة" المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء " ، فخلو المعدة من الطعام عامل هام جدا من عوامل الصحة بالنسبة للإنسان ، ولقد عجبت كل العجب لأحوال البشر الذين يضجون من الصيام كعبادة ومن رمضان كشهرورأيت الواحد منهم ينفق الآلاف عند الأطباء من أجل أن ينقص وزنه وتراه يعاني من أقسى أنواع الرجيم وإذا جالسته رق قلبك لحاله وجرى دمعك لمقاله وهو في هذا غير مأجور فما بالك وقد منحك الله تعالى فرصة ذهبية كي تنقص وزنك وبغير تكلفة مادية بل وأنت مأجور عليها من رب العالمين إن كان ثمة فهم ، فالمسلم الملتزم بأوامر الله ورسوله في شهر رمضان أعتقد أنه بإستطاعته أن ينقص وزنه خمسة كليوجرامات أو أكثر في شهر رمضان دون طبيب ودون رجيم
المحور الثاني : المحور الإقتصادي
من المعلوم عقلا أننا ننقص وجبة من وجباتنا الثلاث فنقتصر على وجبتين فقط ، وإذا سلمنا للمنطق العقلي الرياضي فمعنى ذلك أننا نوفر قيمة هذه الوجبة من الإستهلاك ، وعلى المستوى الكلي لك أن تتصور ماذا يحدث توفير وجبة في الإقتصاد القومي ككل ، فلو تصورنا أن الأسرة في مجتمعنا تتكون في المتوسط من خمسة أفراد هذا يعني أن تعداد شعب مصر ( 80 مليون نسمة ) يتكون من 14مليون أسرة ولو تصورنا جدلا أن قيمة الوجبة التي تم توفيرها هي ( 10 جنيهات ) عشرة جنيهات فقط يصبح مقدار ما تم توفيره على مستوى الإقتصاد القومي ( 140 مليون جنيه ) هذا طبعا بعد إستبعاد غير المسلمين من التعداد ، ولكن الذي يحدث هو عكس ذلك حيث يتضخم الإستهلاك في رمضان عنه في أي شهر من الشهور الأخرى هذا ليس من حكمة و أهداف الصيام الذي شرعه الله تعالى .
المحور الثالث :المحور الأخلاقي
وهو المحور الأساس والذي من أجله شرع الصيام ، ولقد تعمدت تأخيره حتى لا يضج القارئ منه فالكل يتوقع ممن يكتب عن الصوم أن يبدأ به لأنه هو الهدف الذي من أجله شرع الصيام ، تعالى معي نستعرض هذه الأحاديث حتى ندرك الحكمة والمغزى من الصيام :
1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ". أخرجه أحمد (2/443 ، رقم 9717) ، والبخاري (5/2251 ، رقم 5710) ، وأبو داود (2/307 ، رقم 2362) ، والترمذي (3/87 ، رقم 707) وقال : حسن صحيح . وابن ماجه (1/539 ، رقم 1689) ، وابن حبان (8/256 ، رقم 3480) . وأخرجه أيضًا : البغوي فى الجعديات (1/414 ، رقم 2831) ، والنسائي فى الكبرى (2/238 ، رقم 3246) ، والبيهقي (4/270 ، رقم 8095). قال ابن رجب رحمه الله: "وسر هذا أن التقرب إلى الله تعالى بترك المباحات لا يكمل إلا بعد التقرب إليه بترك المحرمات، فمن ارتكب المحرمات، ثم تقرب بترك المباحات، كان بمثابة من يترك الفرائض ويتقرب بالنوافل.انتهى كلامه رحمه الله
2-عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ، ولا يصخب ، فإن سابه أحدٌ أو شاتمه ، فليقل : " إني امرؤٌ صائم " ) أخرجاه في الصحيحين .فقوله ( سابه ) : أي شتمه وتعرض لمشاتمته .وقوله ( قاتله ) أي نازعه ودافعه .وقوله ( إني امرؤٌ صائم )
قال النووي رحمه الله :( اختلفوا في معناه ،، فقيل :
1- يقوله بلسانه جهراً يُسمعْهُ الشاتم والمقاتل فينـزجر غالباً .
2- لا يقوله بلسانه ، بل يُحدث به نفسه ، ليمنعها من مشاتمته ومقاتلته ، ويحفظ صومه من المكدرات .
ولو جمع بين الأمرين لكان حسناً ) .
* ومما يستفاد من هذا الحديث :
1- حث الصائم على لزوم الحلم وكظم الغيظ .
2- مقابلة الإساءة بالإحسان
: أ - لأجل أن يصون صيامه عن المكدرات .
ب - ولأجل أن يتربى على تلك الفضيلة العظيمة . فتكون دأباً له يتمثَّلهُ في سائر أيامه ، وكافة أحواله وتقلباته .
وإذا كان الصائم مكلفا بعدم رد الأذى ودفعه عن نفسه لا لشيئ إلا لأنه صائم فمن باب أولى أنه مكلف بعدم إيذاء أحد من المسلمين سواءا بالقول أو بالفعل أو بأي صورة من صور الإيذاء لأن هذا يخالف معنى الصيام أولا ومعنى الإسلام ثانيا حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هذا هو معنى صيام الجوارح الذي تناوله السلف في كتبهم
3- وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء متفق عليه.
كذلك يصوم اللسان والسمع والبصر عما حرم الله تعالى ويعلم العبد إنه إذا إغتاب أحدا أو قذف أحدا فهو بذلك مخالف لآداب الصيام فيفرض بذلك سياجا شديدا حول جوارحه يحول بينها وبين الرزايا والمعاصي
المحور الرابع : المحور الإجتماعي
حيث يوحد شهر رمضان ويجمع الناس كلهم في القطر الواحد أو ربما في الأقطار كلها في وقت إفطار واحد ووقت سحور واحد ويجتمعون في صلاة واحدة وإن لم تكن فريضة وهي صلاة القيام كل هذا يعطي صورة لوحدة المسلمين المفقودة ، فمن المعلوم أن لكل منا ظروفه التي تختلف عن الآخر فربما يرجع هذا من عمله في وقت متأخر وهذا مبكر ، أما أن يجتمع الكل على الطعام في وقت واحد فهذا ما الا يحدث إلا في شهر رمضان ، والأعظم من ذلك هو شعور التكافل التراحم الذي يسير في خطين متوازيين وهما خط الفريضة وخط التطوع ، حيث الجميع مطالب بزكاة الفطر على سبيل الفريضة وندب الشرع من إستطاع إلى إفطار الصائم وسد حاجة المحتاج فيتذكر المرؤ ضعف الضعيف وجوع الجائع وحاجة المحتاج ويتذكر أجر مفطر الصائم وما للصدقة من أجر في رمضان فتجد أن المجتمع تعمه روح التكافل والتراحم
المحور الخامس : المحور الإيماني التعبدي
حيث يضاعف الله تبارك وتعالى الفريضة بأجر سبيعين والسنة بأجر الفريضة وفي هذا تحفيز وتنشيط للهمم أن تتسابق في طاعة الله تعالى ، ويخبر سبحانه أنه هو الذي يجزي على الصوم لا أحد غيره حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال""كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به" [رواه الإمام البخاري في صحيحه ج2 ص226 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. بنحوه.] ، كما أن رمضان منحة لمغفرة الذنب قطع النبي صلى الله عليه وسلم على من لم يغتنمنها بالخيبة والخسارة حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم " خاب وخسر من أدرك رمضان ولم يغفر له " صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أنظر معي إلى ما أودعه الله تعالى في هذا الشهر من نفحات وأعطيات حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)
وعنه أيضاً أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ( مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)
و عنه أيضاً قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (مَنْ قام لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) ، ويكأنها فرص إذا فاتتك إحداها أدركت الأخرى وإذا فاتك الجميع فقد خسرت خسرانا مبينا ، ثم أتساءل معك ما هي العلة من تقسيم الله تعالى الشهر إلى ثلاثة أثلاث حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار " صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هذا لتحفيز الهمم وعدم غلق الباب أمام من أعتراه التقصير في أي من أيام الشهر،
ويكأن رمضان جاء ليقول لك:
يا من تقصر في صلاة الجماعة هلم إلى صلاة الجماعة فالفريضة بسبعين فريضة ،
يامن تبخل بمالك من فطر صائما فله مثل أجره من غير أن ينقص ذلك من أجره ،
يا من تؤذي الناس كف أذاك عن الناس حتى يصح صومك ،
لو أمعنا النظر في هذه المحاور لوجدنا أنا يد رمضان قد أمسكت " بعصا التحويلة " وجاءت كي تحولنا عن خط التقصير في جنب الله وتضعنا على المسار الصحيح ، على المسار الصحيح في الأخلاق والعبادات والمعاملات والإنفاق وفي كل شيئ ، ولكن هل فقه رسالة رمضان من عاد بعد رمضان كما كان قبل رمضان ؟؟؟؟؟!!! نسأل الله تعالى العافية
نلتقي في مرة أخرى بإذن الله تعالى
2 comments:
أستاذي الأستاذ أحمد
يعلم الله اني أحبك وأذكرك دائما بالخير
فقد كنت مثالا صادقا للمسلم الملتزم أحسبك كذلك ولا أزكيك على الله
لا تنسى اخوك المحب لك دائما من صالح دعائك
أنا أردت فقط أن أخبرك أن هذه المقالة جميلة ما شاء الله لعل الله ان ينفع بها وان تكون في ميزان حسناتك
ولكن لي بعض التعليقات
1- " المعدة بيت الداء " هذا ليس يحديث وليس له أصل ولا يصح رفعه الى الرسول صلي الله عليه وسلم وانما هو من كلام الحارث ابن كلده طبيب العرب والله أعلم
" صوموا تصحوا " هذا الحديث من أضعف الأحاديث ويعتبر من متروك الحديث وذكره الامام الالباني في السلسلة الضعيفة والله أعلم . ولكن هناك حديث آخر رجاله ثقات يقول " اغزوا تغنموا وصوموا تصحوا وسافروا تستغنوا " حدث به الهيثمي المكي في الزواجر وقال ان اسناده حسن أو صحيح
2- " جوعوا تصحوا " ليس له أصل
أستحلفك بالله ان تسامحني على ذلك فما هو الا من حبي لك وحرصي على ان لا تنسب شئ للرسول عن طريق الخطأ فأنت أكبر عندي من أن تفعل ذلك
حبيبك وتلميذك عبد الحميد
الرِّيادة والتميُّز في إيجاد مرجعيَّة عِلميَّة على منهج أهل السُّنة والجماعة للمسلمين كافَّةً في أنحاء العالَم، وتيسيرِ الوصول إليها من خلال التِّقنيات الحديثة.
https://dorar.net/hadith
Post a Comment