Friday, January 28, 2011

سقوط الباستيل .. أطروحات وتساؤلات

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أحكم الثوار حصارهم حول سجن " الباستيد " ثم قصفوا أسواره بالمدافع ، وعلى صعيد آخر خرج أساتذة وطلاب الجامعات شارحي صدورهم لرصاص الشرطة الفرنسية ، فكان هذا هو المسمار الأخير في نعش لويس السادس عشر ، وكان ذلك إيذاناً بسوقه هو وزوجته ماري أنطوانيت إلى المقصلة ، كان هذا نقلاً من أدبيات الثورة الفرنسية وكيف إندلعت ، لقد أصبحت هذه الأشياء أعلاماً فيما بعد أصبح لويس علماً على كل حاكم ظالم وأصبح الباستيد أو الباستيل كما عرف تحريفاً فيما بعد علماً على كل أداة قمع في يد كل لويس أو في يد كل ظالم وأصبحت الثورة الفرنسية علماً على كل الثورات التي كبحت الشمولية والتجبر والظلم ولكن كم في واقعنا من باستيد وكم في واقعنا من لويس وكم في واقعنا من ثورة يجب أن تقوم ،، نحاول في هذا المقال أن نلقي ضوءاً على الأحداث المتصاعدة إعتباراً من يوم 25 يناير وحتى جمعة الغضب 28 يناير 2011 مستلهمين الأحداث التاريخية ومستجمعين المواقف بعضها إلى بعض :
1- لقد أغفل لويس غضب الجماهير وتناساها وكأنه لم يعلم بها أو يسمع عنها وكانت عبارة زوجته " ماري أنطوانيت " الشهيرة عن أكل البسكويت بدلاً من الخبز عندما سألت عن سبب ثورة الجماهير فقالوا لها أن سبب الثورة هو الخبز ، فكان من جراء غفلته أو تغافله أو كبره أن أطاح به الجمهور وقاده وزوجته إلى المقصلة ، إن خطاب الرئيس المصري يشبه إلى حد بعيد خطاب الرئيس زين العابدين بن علي قبل الفرار وإن موقف الجيش المصري في التدخل في الأزمة يشبه إلى حد كبير موقف الجيش التونسي فهل تكون النتائج متطابقة هذا ما ستسفرعنه الساعات القادمة
2- نتائج الأحداث وما تؤول إليه الأمور يجب أن ينظر إليها بعين الإعتبار، فالناظر بعين الإعتبار إلى الأحداث الجارية يرى أن المتظاهرين كل ما طالبوا به هو خلع النظام ولم يملكوا أجندة بديلة ، إن المتظاهرين خرجوا تحت ضغط القمع الذي تعرضوا له على مدار ثلاثين عاماً كاملة فتصدوا لقوات الأمن دون هيبة ، أعترف صراحة لقد فوجئت بهذه الجموع الغاضبة التي جعلت جحافل الأمن المركزي تفر أمامها وأيضاً بجموع الأمن المركزي التي لم تطلق النار على المتظاهرين لقد خرج الجماهير فأطاحوا بكل " باستيل " أمامهم أحرقوا مباني الحزب الوطني في جميع المحافظات تقريباً ودمروا أقسام البوليس ومباحث أمن الدولة ، كل ما كان رمزاً للقمع والقهر دمروه ثم ماذا بعد ؟؟؟ لا أحد يستطيع الإجابة على هذا السؤال ، إن الجماهير لا توجد لها قيادة واضحة بل هي مجرد حركات غاضبة أطاحت بكل ما أمامها من رموز القمع والقهر
3- التدخل الخارجي نقطة لا بد من النظر إليها بعين الإعتبار فمنشأ الأحداث عن طريق شبكة الإنترنت والفيس بوك وتويتر ومن المعلوم أن هذه الشبكات الغالبية العظمى ممن يكتبون فيها يكتبون بأسماء مستعارة ، شخصياتهم غير معرفة ، ومن الممكن أن تكون الشائعات والأكاذيب شرارة لثورة تأكل الأخضر واليابس ، لقد قتل الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه بسبب الإشاعات التي أطلقها اليهودي عبد الله بن سبأ عبر الأمصار ، أعرف أن البون كبير بين عثمان رضي الله عنه وحكام اليوم غير أن البون ليس كبيراً بين عبد الله بن سبأ وشبكات الإنترنت وما يتم تناقله من أخبار، فالتدخل كما يمكن أن يكون في منشأ الأحداث أيضاً يمكن أن يكون في ما تؤول إليه الأحداث ، فبفرض أن الشعب إستطاع إسقاط النظام هل سترضى القوى الخارجية عن الحكومة التي ستأتي ؟؟؟ ، وماذا إذا كانت هذه الحكومة لها توجهات معادية للصهوينية والسامية هل سيرضى به المجتمع الدولي ؟؟؟
4- إذا إستطاع الشعب فرض رؤيته وإسقاط النظام وجاءت قيادة أخرى ما هي الضمانات التي تكفل بألا تجنح هذه القيادة الجديدة إلى الإستبداد مرة أخرى ؟؟؟ لقد جاءت الثورة الفرنسية بشعارات " الحرية والإخاء والمساواة " وجاءت بالنظام الجمهوري وجاءت بـ " مارا روباسبير " وكل ما حدث هو تبدل في الأسماء دون المسميات فقد تبدل لويس بروباسبير وتبدلت الملكية بالجمهورية وتبدل الباستيل بالمقصلة وبقى الظلم والإستباد كما هو حتى أعاد نابليون بونابرت الحكم إلى الأسلوب الإمبراطوري مرة أخرى ، كان الأستاذ الدكتور / محمد طه بدوي أستاذ كرسي العلوم السياسية بجامعات جمهورية مصر العربية رحمه الله يقول " إن ثمة تجربة خالدة تقطع أنه ما من إنسان يتولى سلطة إلا وتدلى بها إلى الإستبداد " ذلك تلخيص للتجربة الإنسانية على شكل تعميم ، إن الذين قتلوا عثمان رضي الله عنه بعدما قتلوه جعلوا يبحثون عن خليفة حتى يصلحوا ما أفسدوا ، أقول هذا لأوضح أن وجود الحاكم والنظام حتى وإن كان مستبداً خير من حالة الفراغ السياسي الذي تأتي بعد إسقاط النظام عن طريق الثوارات ، إن المستقرئ لتاريخ الثورات يرى وخصوصاً في العالم العربي يرى أنها لم تأت بخير فقد إستبدل الملك فاروق بمجلس قيادة الثورة ثم جمال عبد الناصر وهكذا في ثورة اليمن والجزائر وليبا و كل الأقطار بقي القهر والقمع وتغيرت الصور
5- يجب أن تظهر النخبة في الساحة وأن يكون خطابها واضحاً حيث أنه إلى الآن لم تظهر قيادة لحركة المتظاهرين والمحتجين ، السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو ماذا لو طلبت الحكومة الحالية قيادة للجماهير حتى تتفاوض معها ؟؟؟ ماذا لو سقط النظام وأصبح لزاماً تكوين حكومة وفاق وطني كيف ستتكون هذه الحكومة ؟؟؟؟
6- إذا تمت الدعوة إلى إنتخابات حرة لإختيار رئيس جمهورية ما هي الضمانات الكفيلة بإجراء إنتخابات حرة ؟؟؟ إن ثقافة التزوير قد ضربت اطنابها في هذا الشعب حتى صار التزوير علماً على الإنتخابات وليس على العكس ، إن القتلى يسقطون في إنتخابات مجلس شعب فما بالك بإنتخابات لإختيار رئيس للجمهورية ؟؟ إن صندوق الإنتخابات عندنا قد خرج من الخدمة وأحيل لسن التقاعد من أعوام كما أن الأمر قد يأخذ وقتاً طويلاً حتى يتم دعوة الموتى لحضور الإنتخابات كالعادة ، ذلك امر تكتنفه ظلال من الشك
7- غير خاف على القاصي والداني أسلوب الفوضى الخلاقة وما أنتجه من نماذج فدولة العراق إلى الحين لم تتعافى ولم تصل إلى أسوأ صورها في عهد صدام حسين ، كما أن التونسين إلى الآن مازالوا في مرحلة تجميع الشعث ولم الشمل وظهرت مرة أخرى نفس المشاهد التي ظهرت بعد سقوط نظام صدام حسين من سلب ونهب
8- يبقى آخر ما يبقى من مشاهد يوم 25 يناير وجمعة الغضب 28 يناير هو سقوط نظام الظلم وآلته الباطشة ، أنه درس قوي لكل من إحتمى بهذه الآلة ، لقد هربت جحافل الأمن المركزي أمام هدير الجماهير الغاضبة وتركت كل من القاهرة والإسكندرية والسويس ودمنهور تحت سيطرة الجماهير ، يقول أبو الحسن الندوي " إن زوال الظالمين نعمة تستحق الشكر " وذلك تعليقاً على قوله تعالى " فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين " سورة الأنعام
9- لا يفهم من المقال أنه تكريس لثقافة الإستبداد والظلم وتأييد لكل حاكم ظالم بل هو دعوة للتعقل والروية والنظر للأمور بمآلاتها حتى لا نكون آلة في يد قوى خارجية تحركنا من حيث لا نعلم ولا ندري
10- يبقى الدرس الأخير الذي يجب أن يعلمه كل ديكتاتور أن الذين ثاروا في مظاهرات يناير هم شباب صغير ولد في الثلاثين عاما الماضية وليست قوى الإخوان المسلمين كما أذاعت الداخلية ، هم شباب وشابات الفيس بوك والإنترنت ، هذا يعني أن المستقبل يرفض هذه الطغمة الحاكمة ورموزها المهترئة ، إن الذين ثاروا ليس لهم توجهات دينية كما تسعى الحكومة أن تعزو هذه الإنتفاضة إلى فزاعتها القديمة
مهما كانت مآلات الأمور لقد إستطاع هذه الشعب إن يكسر نير الظلم وأن يطيح بالباستيل وستبقى صور الشاب الذي إستوقف المدرعة في مظاهرة القصر العيني والذي إعتلى المدرعة ليوقف مدفع المياة وكل آلاف الأنوف التي إستنشقت غاز الأمن المركزي وقبلهم كل الشهداء الذين سقطوا من جراء رصاصات الأمن المركزي الغاشمة محفورة في ذاكرة الزمان " والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون " سورة يوسف
إلى اللقاء في مرة قادمة بإذن الله تعالى

3 comments:

Anonymous said...

مقال رائع أ / أحمد جزاك الله خيرا. ولكن أين دور الإخوان من هذه الانتفاضة ؟؟
أليس من الواجب أن يستعدوا لقطف ثمرتها بدل أن يدعوها للعلمانيين والليبراليين ؟؟؟

تحت المجهر said...

السلام عليكم ورحمة الله
نفس الخطأ القديم الذي مازلنا نعاني منه أكتفينا بدور المشارك ولكن الزخم كان كبيراً فبدت المشاركة باهتة وباهتة جداً أنا لا أرى في النتائج التي بدت في الأفق أي ثمار بل أشم روائح المؤامرة الأمريكية من منشأ الموضوع إلى منتهاه ولكن دعنا لا نستبق الأحداث

Anonymous said...

صديقى العزيز احمد
اعلم دائما كما علمتنى ان دولة الظلم ساعة ودولة الحق الى قيام الساعة
وهذه المقالة لا تقل عن اخواتها فى الاسلوب الجميل البسيط ولا فى توصيل الفكرة فى ابسط صورها ولا شموليتها وفقك الله دائما الى تنوير من ليس لهم نور